هل الخدمات المصرفية الإسلامية حلال حقًا؟.. كشف الخرافات والمفاهيم الخاطئة
على مدى العقود القليلة الماضية، بذل المسلمون جهودًا كبيرة لإعادة هيكلة أنظمتهم المالية بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية ومبادئها.
ومع اعتماد المؤسسات المالية التقليدية بشكل كبير على الفائدة لكل من الودائع والتمويل، شكّل هذا التحول تحديًا كبيرًا.
في البداية، اعتقد الكثيرون أن إنشاء بديل خالٍ من الفائدة للنظام المالي القائم سيكون مستحيلًا، وحتى بعد ظهور بعض النماذج المالية الإسلامية، ظل هناك بعض المشككين في إمكانية تشغيل المؤسسات المالية دون فرض فائدة على المبلغ الأصلي.
ومع ذلك، نجح علماء بارزون في جميع أنحاء العالم في تطوير بدائل تتوافق مع المبادئ الإسلامية، وفي الوقت الحالي يتم هيكلة منتجات وأدوات المؤسسات المالية الإسلامية لتتوافق مع هذه المبادئ فيما يتعلق بالالتزامات والأصول. ( م.ت العثماني، 2007).
ما هي الخدمات المصرفية الإسلامية؟
الخدمات المصرفية الإسلامية أو الصيرفة الإسلامية هي نظام مالي معاصر مستمد من الشريعة الإسلامية، ويعتمد على التمويل الأخلاقي.
كما تعتمد على مبادئ تأسست خلال العصر الإسلامي المبكر، وتروج لتقاسم الأرباح والمخاطر مع حظر العوائد المحددة مسبقًا على المبالغ الأصلية.
بدلاً من الفائدة، تركز الصيرفة الإسلامية على المعاملات والاستثمارات العادلة التي تعود بالنفع على المجتمع، وتضمن أن تكون جميع المعاملات المالية متوافقة مع القيم الإسلامية.
ما هي المبادئ الأساسية للتمويل الإسلامي؟
أ) الإيمان بالتوجيه الإلهي
خلق الله سبحانه وتعالى الكون وجعله الإنسان خلفية له في الأرض، وألزمه بتأدية أوامر ووظائف معينة اعتماده على توجيهات خالقه.
ولا تقتصر هذه الأوامر والتوجيهات على العقائد والعبادات، بل تمتد إلى جميع جوانب الحياة، بما في ذلك الشؤون الاقتصادية، لذلك فإن من واجب البشر اتباع هدي الله في الأمور الاقتصادية أيضًا.
ب) حظر الفوائد (الربا)
في التمويل الإسلامي، يُحظر الحصول على فوائد على القروض أو دفع فوائد على الاقتراض، على العكس من التمويل التقليدي الذي يتطلب فيه من المقترضين دفع فوائد على القروض مع تحفيز المودعين بالحصول على أرباح من الفوائد.
ومن منظور الشريعة الإسلامية، فإن فرض أو دفع فوائد على الأموال أمر محرم شرعًا.
ج) منع الاستثمار في الأنشطة المحرمة
من منظور الشريعة الإسلامية، يجب تجنب استثمار الأموال في الشركات التي تنتج سلعًا محظورة شرعًا، مثل الكحول، التبغ، وغيرها من المنتجات المشابهة بالمقابل، لا تمانع المؤسسات المالية التقليدية عادة في الاستثمار في هذه الشركات.
د) تشجيع تقاسم المخاطر
يعتمد التمويل الإسلامي على تقاسم أو المشاركة في المخاطر، اعتمادًا على مبدأ في الفقه الإسلامي يُعرف بـ"الغنم بالغرم" أو "الربح بالمخاطرة"، الذي يعني أنه إذا سعى شخص إلى تحقيق الربح، فيجب أن يكون مستعدًا أيضًا لتحمل الخسارة المحتملة.
وعلى عكس ذلك، غالبًا ما تفتقر المؤسسات المالية التقليدية إلى آلية لمشاركة أو تحمل الخسائر، كونها تعتمد أساسًا على العوائد الثابتة والمعاملات القائمة على الفائدة.
و) الاعتماد على الأصول الحقيقية "الملموسة"
في التمويل الإسلامي، يتم استثمار الأموال بطريقة مرتبطة بالأصول الحقيقية، ما يعني أن المستثمر معرض للربح والخسارة بناءً على أداء تلك الأصول.
في المقابل، يعتمد التمويل التقليدي عادة على التعهد بالدفع، والذي غالبًا ما يكون منفصلًا عن الأصول الحقيقية، ما قد يؤدي إلى عوائد ثابتة بغض النظر عن أداء الأصول الأساسية.
كيف تحقق المصارف الإسلامية أرباحًا دون فرض فوائد؟
تحقق المصارف الإسلامية أرباحًا دون فرض فوائد من خلال تقديم مجموعة متنوعة من المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، مثل الإجارة والمرابحة والمضاربة على الودائع لأجل وحسابات التوفير والمشاركة المتناقصة والتمويل من خلال صناديق الاستثمار المشتركة الخاضعة للشريعة الإسلامية.
وفي هذه المنتجات والمعاملات، تكون المصارف الإسلامية معرضة للربح والخسارة، مع ضمان الامتثال للمبادئ الإسلامية، وهي تفعل ذلك دون الاعتماد على الآليات القائمة على الفائدة.
ما هي القروض بدون فائدة في التمويل الإسلامي؟
هناك العديد من أنواع القروض بدون فائدة في التمويل الإسلامي، ولكن فيما يلي بعض القروض الشائعة:
أ) المرابحة
المرابحة هي عقد بيع تقوم فيه المؤسسة المالية الإسلامية (المُقرض) بدور البائع للسلع، مع الكشف عن تكلفة السلعة بالإضافة إلى هامش الربح المتفق عليه في العقد.
ويستلم العميل (المقترض) السلعة مع دفع جزء من ثمنها مقدمًا، على أن يتم دفع المبلغ المتبقي على دفعات خلال فترة زمنية محددة.
اقرأ المزيد عن: دليلك الشامل عن المرابحة
ب) التأجير التمويلي
نوع من أنواع الإيجار حيث تكون المؤسسة المالية الإسلامية هى المؤجر، ويعمل العميل كمستأجر، وهنا توفر المؤسسة المالية السيارة أو العقار بالإيجار للعميل، الذي يدفع بعد ذلك قيمة الإيجار على أقساط.
وفي نهاية مدة الإيجار، قد يصبح العميل المالك الوحيد للسيارة أو العقار من خلال تنفيذ عقد الهبة، أو بشرائه بقيمة رمزية.
ج) المشاركة المتناقصة
إحدى آليات التمويل الإسلامي يتم من خلالها تملك الأصول بشكل مشترك من قبل مؤسسة مالية وعميل بنسبة محددة (على سبيل المثال، 70:30).
ويتم تقسيم ملكية الأصل إلى حصص، مع تأجير حصة المؤسسة المالية للعميل، ويقوم العميل بدفع إيجار الجزء المؤجر، وفي الوقت نفسه يسدد قسطًا لشراء حصة المؤسسة المالية تدريجيًا، وفقًا للاتفاق.
مع كل قسط، تزداد ملكية العميل للأصل، وتقل حصة المؤسسة المالية حتى يمتلك العميل الأصل بالكامل (العثماني، م.ع.أ، 2015).
اقرأ المزيد عن: ما هي مزايا و عيوب عقود المشاركة
هل هناك فرق بين المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي؟
نعم، يشير التمويل الإسلامي إلى النظام المالي بأكمله داخل المؤسسات المالية الإسلامية، والذي يعمل وفقًا لمبادئ الشريعة الإسلامية في جميع أنواع المعاملات المالية.
في المقابل، تعد الخدمات المصرفية الإسلامية أو الصيرفة الإسلامية جزءًا من التمويل الإسلامي، وتختص بالخدمات والعمليات المصرفية، ما يضمن توافقها مع القوانين الإسلامية والمعايير الأخلاقية.
أشهر المفاهيم الخاطئة حول الصيرفة الإسلامية
يحدد الفقهاء المفاهيم الخاطئة الشائعة حول الخدمات المصرفية الإسلامية على النحو التالي:
أ- يعتبر فرض غرامة مالية بمثابة فائدة (ربا).
ب- توحيد وتثبيت سعر الفائدة للمعاملات المالية.
ج- تطبيق التكافل (التأمين الإسلامي) في تأجير السيارات وتمويل المنازل.
د- توزيع الأرباح بين أصحاب الحسابات على أساس يومي.
كيف يدعم المصرف الإسلامي الاستثمار الأخلاقي؟
تدعم المصارف الإسلامية الاستثمار الأخلاقي من خلال الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية والعدالة الاجتماعية والإنصاف وتجنب كل العوامل المخالفة للشريعة، عبر الممارسات التالية:
أولًا: حظر الأنشطة المحرمة شرعًا
تتجنب البنوك الإسلامية الاستثمار في الشركات أو المؤسسات التي تنتج أو تتعامل في منتجات تعتبر محرمة في الشريعة الإسلامية مثل الكحول والتبغ والمنتجات المرتبطة بالمقامرة، وهذا يتماشى مع المبادئ الأخلاقية الإسلامية التي تحظر المشاركة في الأنشطة الضارة أو غير الأخلاقية.
ثانيًا: تقاسم الأرباح والخسائر
تنخرط المصارف الإسلامية في المعاملات التي يتم فيها تحديد تقاسم الربح والخسارة بشكل مسبق ومتفق عليه، ما يضمن العدالة بين الأطراف في توزيع الأرباح والخسائر.
ويتماشى هذا النهج مع مبادئ الشريعة الإسلامية، التي تؤكد على العدالة والتراضي في التعاملات المالية.
ثالثًا: المعاملات المدعومة بالأصول
تستثمر المصارف الإسلامية في مجالات تكون فيها المعاملات مضمونة ومدعومة بالأصول، ما يضمن ارتباطها بالاقتصاد الحقيقي وعدم استنادها إلى المضاربة.
رابعًا: المسؤولية الاجتماعية
تلتزم المصارف الإسلامية بمسؤولياتها الاجتماعية من خلال الاستثمار في قطاعات مثل الصحة والتعليم، لتعزيز الرفاهة الاجتماعية. (معيار الحوكمة للمؤسسات المالية الإسلامية رقم 7: المسؤولية الاجتماعية للشركات).
كيف تختلف الخدمات المصرفية الإسلامية عن نظيرتها التقليدية؟
أولًا: من منظور الرسالة والهدف، فإن الصيرفة الإسلامية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمبادئ الإسلامية، حيث تكون اعتبارات القيم والمبادئ الأخلاقية في صميم عملياتها.
في المقابل، تركز المصارف التقليدية بشكل رئيسي على تعظيم الأرباح دون الالتزام بالضرورة بالقيود الأخلاقية نفسها.
ثانيًا: من ناحية تقاسم المخاطر، تتوافق المصارف الإسلامية مع مبدأ تقاسم ومشاركة المخاطر أكثر من نظيرتها التقليدية.
فهي تعتمد على أدوات مالية تتحمل المخاطر، حيث يتقاسم كل من البنك وعملائه المخاطر والمكافآت المالية أيضًا، على عكس البنوك التقليدية المعتمد بشكل أساسي على فوائد القروض لتحقيق الأرباح، ما يجعل المخاطر تقتصر على المقترض وحده.
ثالثًا، إطار حوكمة شرعي مخصص لدى المصارف الإسلامية، تتمتع هذه المصارف بإطار حوكمة يشمل إدارات ولجان مختلفة تضمن امتثال معاملات البنك لمبادئ الشريعة الإسلامية، ما يوفر ضمان إضافي للرقابة والامتثال الأخلاقي، الذي لا يوجد عادة في البنوك التقليدية.
ما هو دور تقاسم الأرباح في التمويل الإسلامي؟
يعد تقاسم الأرباح من أهم آليات التمويل الإسلامي، حيث يتقاسم كل من المؤسسة المالية والعميل المخاطرة وفقًا لمساهماتهما في الأصول، ويتم توزيع الأرباح وفقًا لنسبة متفق عليها مسبقًا في وقت كتابة العقد، وفيما يلي بعض القواعد المهمة:
أ) لا يجوز لأي شريك تحديد مبلغ ثابت من الربح بشكل مسبق.
ب) يجوز للشريك الذي يسهم بالعمل بنشاط في المشروع المشترك (الشريك النشط) أن يحصل حصة أكبر من الأرباح مقارنة بحصته في رأس المال، بغض النظر عما إذا كان الشركاء الآخرون يعملون أم لا.
ج) إذا كان أحد الشركاء "شريكًا نائمًا" بمعنى أنه لا يشارك بفاعلية، فإن حصته من الأرباح لا يمكن أن تتجاوز حصته في رأس المال، لكن هذا الأمر جائز وفقًا للمذهب الحنبلي.
المراجع
-العثماني، م. أ. (2015). مكتبة معرفة القرآن (ناشرو الدراسات القرآنية). 342.
-العثماني، م. ت. (2007). مقدمة في التمويل الإسلامي.
https://citeseerx.ist.psu.edu/document
.https://books.google.com.pk/books?hl=en
إخلاء المسؤولية
هذا المنشور لأغراض تعليمية فقط، والشركة لا تقدم هذه الخدمات بشكل مباشر أو غير مباشر