التورق في التمويل الإسلامي: أنواعه وأحكامه الشرعية
يؤدي التورق دورًا محوريًا في التمويل الإسلامي، ويمثل ركيزة أساسية، كونه يُقدم بديلًا عن المعاملات التقليدية القائمة على الفائدة، مع الالتزام الصارم بأحكام الشريعة الإسلامية.
ويهدف التورق إلى توفير التمويل قصير الأجل والسيولة دون اللجوء إلى القروض الربوية، مما يُتيح للأفراد والشركات الوصول إلى النقد بطريقة متوافقة مع الشريعة الإسلامية.
ويشهد التمويل الإسلامي توسعًا ملحوظًا على مستوى العالم، ومع ذلك، ما يزال هناك فرصًا لابتكار وتطوير منتجات مالية متوافقة مع الشريعة، ومن المهم دراسة هذه المنتجات وتحليل خصائصها لفهم عوامل تطورها وتأثيرها على القطاع.
ورغم ذلك، هناك بعض أشكال التورق تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، خصوصًا عند الجمع بين عقدين مُوقعين في جلسة تعاقد واحدة.
كما أن التورق المنظم، الذي تديره المؤسسات المالية من خلال ترتيب مسبق لعملياته، يُخالف أيضًا الشريعة الإسلامية.
لذلك، فإن الإلمام بجوانب التورق المختلفة وفهم تفاصيل عملياته أمرًا ضروريًا لتفادي الوقوع في صور غير جائزة شرعًا، وهو ما سنتناوله في هذه المدونة.
اقرأ المزيد عن: كل ما تريد معرفته عن القرض الحسن
ما هو التورق؟
التورق هو أداة تمويل تعني شراء سلعة بثمن مؤجل يُحدد من خلال عقد مرابحة (بيع بهامش ربح) أو مساومة (بيع عبر التفاوض)، ثم بيعها نقدًا لطرف ثالث بهدف الحصول على السيولة النقدية.
اقرأ المزيد عن: ما هى المساومة وكيف تختلف عن المرابحة؟
ما هوالهدف من التورق؟
عندما يكون هناك حاجة ملحة إلى سيولة نقدية سريعة، ولا يستطيع العميل الحصول عليها من المؤسسات المالية التقليدية بسبب تحريم الفائدة، يُعد التورق البديل الشرعي الأمثل للقرض، بشرط الالتزام الكامل بجميع شروطه وأحكامه الشرعية.
ما هي أنواع التورق المختلفة؟
۱- التورق التقليدي
التورق التقليدي، المعروف بالتورق غير المنُظم، هو عملية شراء السلعة بثمن مؤجل وبيعها لطرف ثالث نقدًا دون مشاركة البائع الأول في بيعها للطرف الثالث.
أهم الشروط الشرعية المرتبطة بالتورق
لضمان توافق عملية التورق مع أحكام الشريعة الإسلامية، يجب الالتزام بالشروط والضوابط التالية:
أ- استيفاء الشروط التعاقدية للمرابحة والمساومة بشكل صحيح وفقًا لأحكام الشريعة.
ب- وجود سلعة حقيقية مملوكة فعليًا للبائع قبل إتمام عملية البيع.
ج- ألا تكون السلعة من الذهب أو الفضة أو العملات النقدية، لأن تأجيل الدفع في مثل هذه السلع محرم شرعًا.
د- يجب تحديد السلعة بوضوح وتمييزها عن أصول البائع الأخرى، سواءً عن طريق فصلها فعليًا أو إثبات ملكتيها بمستندات الملكية أو شهادات التخزين.
ه- إذا لم تكن السلعة متوفرة ماديًا وقت العقد، فيجب تزويد العميل بوصفها الكامل ومكان تخزينها لضمان أن يعكس العقد بيعًا حقيقيًا وليس صوريًا.
و- يجب تحقق القبض الحقيقي أو الحكمي للسعة من قبل المشتري، دون أي تأجيل أي شروط أو إجراءات تأخير في استلامها.
ز- لا يجوز ربط عقد البيع المؤجل لشراء السلعة بعقد البيع الفوري لبيعها للطرق الثالث، لأن ذلك يحرم العميل من حقه في استلام السلعة، ويُحظر ربط العقود، سواءً بالاشتراط أو القبول أو بعرف السوق.
ح- لا يجوز للعميل توكيل المؤسسة (أو عميلها) في بيع السلعة نفسها التي اشتراها منها، ومع ذلك، إذا منعت الأنظمة العميل من بيع السلعة بشكل مستقل، فلا يجوز له توكيل المؤسسة إلا بعد قبضها فعليًا أو حكميًا.
ط- لا يجوز للمؤسسة توكيل طرف ثالث لبيع السلعة نيابةً عن العميل.
ل- يجب على العميل بيع السلعة بشكل مستقل أو توكيل طرف آخر غير المؤسسة لبيعها نيابةً عنه.
إذا توافرت جميع الشروط والأحكام المطلوبة، تُعتبر معملية التورق موافقة للشريعة الإسلامية، عند جمهور العلماء.
اقرأ المزيد عن: نظرة الإسلام للدين والإقراض والاقتراض
۲- التورق المنظم
هو عملية شراء سلعة من السوق المحلية أو الدولية بثمن مؤجل، ثم بيعها بسعر فوري لطرف ثالث، على أن يتولى البائع الأصلي إدارة العملية بأكملها.
هذا النوع من التورق غير جائز شرعًا، لأنه يشبه بيع العينة، أو لما قد يترتب عليه من إعادة السلعة إلى البائع الأصلي.
اقرأ المزيد عن: دليلك الشامل لمرابحة السلع
۳- بيع العينة (معاملة البيع وإعادة الشراء)
بحسب تعريف هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (آيوفي)، يُقصد ببيع العينة أن يشتري العميل سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها مرة أخرى لنفس الطرف الذي اشتراها منه بثمن فوري أقل.
كيف يعد بيع العينة وسيلة للتحايل على الربا؟
عند توجه شخص ما إلى مؤسسة مالية تقليدية للحصول على قرض، فإن المؤسسة تمنحه ذلك القرض مقابل فائدة فقط.
أما في بيع العينة، فتُدرج السلعة في المعاملة فقط لتبدو وكأنها عقد بيع مشروع، في حين أن الواقع هو أن السلعة تعود إلى البائع نفسه، ويلتزم المشتري بسداد مبلغ زائد على القيمة الأصلية، مما يجعل المعاملة تماثل القرض الربوي من حيث الجوهر.
ولهذا السبب، يرى جمهور العلماء أن بيع العينة عقد غير جائز شرعًا.
اقرأ المزيد عن: ما هي القروض المتاحة الخالية من الربا في الإمارات العربية المتحدة؟
كيف تستخدم البنوك الإسلامية أساليب التورق؟
تستخدم البنوك الإسلامية أساليب التورق أو التمويل النقدي لتوفير التمويل للأفراد والشركات الصغيرة والمتوسطة، خاصة عندما يكون هناك حاجة ماسة للسيولة.
وبما أن البنوك الإسلامية لا يمكنها منح قروض بفائدة، فإنها تعتمد على مرابحة السلع كوسيلة تمويلية مع العميل، حيث تبدأ العملية بشراء البنك سلعة نقدًا من سوق السلع بناءً على احتياجات العميل من السيولة، بعد استلام البنك للسلعة، يقوم ببيعها للعميل بثمن مؤجل يُدفع لاحقًا.
بعدها، يقوم العميل ببيع السلعة إلى طرف ثالث (غير البنك) بالسعر الحالي للحصول على السيولة المطلوبة، ثم يقوم العميل بعد ذلك بسداد المبلغ المتفق عليه على أقساط.
وتُعد هذه العملية هي الطريقة الأساسية للتمويل النقدي التي تعتمد عليها البنوك الإسلامية لتوفير السيولة وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.
اقرأ المزيد عن: هل الخدمات المصرفية الإسلامية حلال حقًا؟.. كشف الخرافات والمفاهيم الخاطئة
المراجع
دواية، م. أ. (2024)، الابتكار في التمويل الإسلامي: مراجعة للتورق المصرفي المنظم، مراجعة التمويل الاجتماعي الإسلامي وريادة الأعمال، 199-211.
إخلاء المسؤولية
هذا المنشور لأغراض توعوية فقط ولا يُعد نصيحة استثمارية أو دعوة لاتخاذ أي إجراء مالي. لا يجوز الاعتماد عليه في اتخاذ قرارات استثمارية أو تمويلية.
