هل السلفة حلال أم حرام؟ حكم قروض الموظفين
السُلفة هي قرض يمنحه صاحب العمل للموظف قبل موعد راتبه، في حالات الحاجة المالية الطارئة، مثل الحالات الطبية وتكاليف السفر وغيرها من الظروف الاستثنائية.
وهذه الممارسة شائعة في دول مثل المملكة العربية السعودية ومصر والولايات المتحدة، حيث يُقدم صاحب العمل سُلفة مقدمًا للموظف، على أن تُخصم لاحقًا من راتبه الشهري.
اقرأ المزيد عن: نظرة الإسلام للدين والإقراض والاقتراض
ما هي السُلفة؟
كلمة "سُلفة" في اللغة العربية تُشير عادةً إلى قرض صغير وقصير الأجل، وغالبًا ما يكون بدون فوائد (وفقًا لمعجم المعاني)، لذا تُعرف -أيضًا- القرض الميسّر، إذ يحصل الموظف على جزء من راتبه مقدمًا دون أي زيادة أو فائدة.
وفي العصر الحديث، يُطلق عليها في بعض الشركات العالمية "الوصول إلى الأجر المكتسب EWA" وهو أداة مالية تتيح للموظفين الحصول على جزء من رواتبهم قبل موعدها، بدعم من صاحب العمل.
وتختلف السُلفة الحديثة عن مصطلح “السَّلَف” الكلاسيكي المستخدم في الفقه الإسلامي، والذي يعني "ما يُقدَّم من مال على سبيل القرض".
ففي النصوص الفقهية القديمة، يشير السَّلَف إلى القرض أو المقدّم، وقد ذكر الإمام القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن أن هناك إجماعًا منسوبًا إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم على أن أي زيادة مشروطة في السَّلَف (القرض* من الربا)
كما ذكر علماء آخرون، مثل ابن قدامة وابن المنذر، هذا الإجماع نفسه.
متى تكون السُلفة حلالاً؟
تُعد السُلفة حلالًا فقط إذا كانت في إطار "القرض الحسن" وهو قرض بلا فائدة أو شروط، أي أن الموظف يُلزم بسداد المبلغ نفسه الذي حصل عليه دون أي زيادة مالية أو مقابل إضافي.
وقد أجازت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية السُلفة، ما دامت لا يترتب عليها أي زيادة في المبلغ المُقدَّم.
متى تكون السُلفة حرامًا؟
كما ذكرنا سابقًا، يجب أن تكون السُلفة بدون أي شرط أو رسوم إضافية، فإذا اشترط صاحب العمل رسومًا أو فائدة، سواء بنسبة مئوية أو كمبلغ محدد، فإن السُلفة تُصبح غير جائزة (حرامًا) لأنها تدخل في باب الربا.
وفي الفقه الإسلامي، يُعرف الربا بأنه أي منفعة يشترطها المُقرِض على المقترض، سواء كانت مالية أو غير مالية، مثل عمل إضافي، أو خدمة خاصة.
وقد أوضحت الفتاوى المعاصرة أن التحريم لا يتوقف على التوثيق المكتوب فقط، بل يشمل أيضًا الاتفاق الشفهي أو النية المعلنة.
وجاء في كتاب "المغني" لابن أبي موسى أن من اقترض مالًا، ثم أُعطي عملًا أو منفعة لم يكن يؤديها قبل القرض، فإن ذلك يُعد غير جائز.
اقرأ المزيد عن: شرح الربا: لماذا هو محرم في الإسلام؟ وكيف يختلف عن التجارة؟
الخصم من الراتب لسداد السُلفة.. هل هو جائز شرعًا؟
بعد ثبوت تحريم أي منفعة من السُلفة أو القرض، يبقى السؤال: هل السداد عن طريق الخصم الشهري من الراتب جائز أم لا؟
يرى الفقهاء المعاصرون أنه لا مانع في هذا الأسلوب من السداد، ما دام لا يترتب عليه أي زيادة على أصل المبلغ المقترض، بل يُستحب لما يوفره من مرونة وسهولة في السداد.
بل يُعتبر هذا النظام مستحبًا وميسّرًا، لأنه يُوفر مرونة وسهولة في سداد القرض، ويضمن استرجاع المبلغ في مواعيده دون مشقة على الموظف أو صاحب العمل.
وطريقة السداد هذه أقرب إلى التطبيق العملي، إذ يسمح بالسداد في الوقت المحدد ويريح المُقرض.
اقرأ المزيد عن: المدين المماطل في التمويل الإسلامي
ما هي أنواع القروض الممنوحة للموظفين والأحكام الشرعية كل منها؟
هناك عدة أنواع من قروض الموظفين، ولكل منها وصف وحكم شرعي خاص:
١- سلفة الراتب
في هذه السُلفة، يمنح صاحب العمل الموظف جزءًا من راتبه قبل الموعد المعتاد، ثم تُخصم هذه السُلفة من راتبه الشهري.
ويجوز شرعًا منح هذا القرض طالما أنه لا توجد رسوم أو فوائد مرتبطة به، وذلك لأنه قرض قصير الأجل، ويتبع حكم القرض الحسن.
٢- القرض القصير الأجل في الحالات الطارئة
يُمنح هذا القرض عادةً للموظفين لتغطية احتياجاتهم الطبية أو العائلية في أوقات الأزمات، وقد لا يكون مرتبطًا براتب الموظف، ويمكن منحه بشكل منفصل.
وبالنسبة إلى الحكم الشرعي: يُعامل معاملة القرض الحسن، أي يجب أن يكون بدون فوائد أو مقابل مادي.
٣- القرض طويل الأجل للموظفين
يُمنح هذا القرض عادةً عبر اتفاقيات بين الموظف وصاحب العمل، ويتم سدادها على أقساط شهرية تمتد لعدة أشهر، مثل قروض الإسكان وغيرها من الاحتياجات الكبيرة الأساسية.
وينظر الشرع إليه مثل القرض قصير الأجل، فهو جائز بشرط أن يكون بدون فائدة أو شرط، وطول مدة السداد، سواءً كانت 20 شهرًا أو 50 شهرًا، لا يؤثر على الجواز الشرعي.
٤- قرض التعليم أو التدريب
تُقدم بعض الشركات قروضًا لتغطية نفقات التعليم أو التدريب لموظفيها، وقد تتحمل الشركة المبلغ كاملًا بشرط أن يبقى الموظف في العمل لعدد معين من السنوات بعد انتهاء التدريب.
وهذا جائز شرعًا، لأن الشرط هنا يتعلق بالمدة الزمنية وليس بفائدة مالية.
٥- القروض المرتبطة بالأصول (كالسكن أو السيارة)
تُقدم الشركات الكبرى مثل أرامكو هذه القروض لموظفيها بصورة مدعومة وبدون فوائد، لتمكينهم من شراء أو بناء منزل، ويتم الخصم من الراتب شهريًا
وتعتبر هذه القروض جائزة، لأنها قروض خالية من الفوائد وتُعتبر ضمن المزايا الحكومية أو المؤسسية.
٦- القروض المرتبطة بالمزايا الوظيفية
هذه ليست قروضًا تجارية، بل هي امتداد لبرامج رعاية الموظفين، وغالبًا تُعطى كمكافأة للموظفين القدامى تقديرًا لخدمتهم، وينتشر هذا النوع من القروض في دول مجلس التعاون الخليجي مثل الكويت وقطر.
ولأنها مدعومة، وغالبًا ما تكون بدون فوائد، فهي حلال ومتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
٧- قرض الجمعيات التعاونية أو صندوق الموظفين
في بعض المؤسسات والمجتمعات، يُنشئ الأفراد صناديق تعرف بـ"الجمعيات" يودع فيها المشاركون مبلغًا شهريًا، ثم يحصل أحدهم على المبلغ الإجمالي كل شهر بالتناوب حتى يستفيد الجميع.
وهذا النوع جائز شرعًا، لأنها قائمة على مبدأ التكافل والتعاون، وتكون بلا فوائد.
أما في حالة الاتحادات الائتمانية فإذا فُرضت رسوم رمزية فيجب أن تكون فقط لتغطية المصاريف الإدارية لا لتحقيق ربح
٨- القرض الميسر عبر البنك
في بعض الحالات، تُبرم الشركات اتفاقيات مع البنوك لتوفير قروض لموظفيها، وحكم الشرع هنا واضح، فإذا كان القرض بفائدة، فهو غير جائز.
أما إذا كان التمويل من خلال بنك إسلامي يستخدم صيغًا مشروعة مثل المرابحة أو الإجارة، فهو جائز بشرطه وضوابطه.
ويُؤكد العلماء أن القرض يبقى محرمًا حتى لو كانت الفائدة مدعومة أو تتحملها الشركة نيابةً عن الموظف، لأنها تبقى زيادة على أصل القرض.
من منظور الشريعة الإسلامية، تهدف القروض إلى تيسير شؤون الناس والتخفيف عنه وإدخال السكينة في المجتمع.
ومفهوم السُلفة جائز شرعًا، مع ذلك، لا يجوز استخدامها كوسيلة للتربح من الموظفين الذين يحتاجون إلى مساعدة في احتياجاتهم.
فالأصل في القرض في الشريعة الإسلامية هو: لا يجوز السُلفة أو القرض إلا إذا كان برأس مال بدون فوائد مضافة، أما إذا كان هناك فائدة أو منفعة، فلا يجوز ويجب تجنبها.
إخلاء المسؤولية
هذا المنشور لأغراض توعوية فقط ولا يُعد نصيحة استثمارية أو دعوة لاتخاذ أي إجراء مالي. لا يجوز الاعتماد عليه في اتخاذ قرارات استثمارية أو تمويلية.
