ضريبة القيمة المضافة أم ضريبة الدخل؟.. فهم الفروق الجوهرية
لا أحد يُحب الضرائب، لكنها تظل أداة لا غنى عنها لتمويل الخدمات العامة الأساسية، ولا سيما تلك التي ينبغي أن تكون متاحة وبأسعار ميسورة، مثل التعليم والرعاية الصحية، ومن ثم تقوم الاقتصادات المستدامة في جوهرها على سياسات ضريبية مستدامة.
وتوجد طرق عديدة وذكية لفرض السياسات الضريبية، غير أن معظم الدول تسعى إلى تحقيق توازن بين الضرائب المباشرة، مثل ضريبة الدخل، وضرائب الاستهلاك، وفي مقدمتها ضريبة القيمة المضافة (VAT).
ويرى كثير من الاقتصاديين أن النظام الضريبي الأكثر استدامة هو الذي يجمع بين النوعين، إذ توفر ضريبة القيمة المضافة إيرادات مستقرة، بينما تحافظ ضريبة الدخل على قدر أكبر من العدالة في توزيع العبء الضريبي.
ولا يقتصر أثر هذا التوازن على تعزيز قدرة الدول على مواجهة الصدمات الاقتصادية، بل يمتد ليسهم في بناء مجتمع أكثر تماسكًا تُوزع فيه الأعباء بشكل عادل بين المواطنين.
في هذا المقال، نسلط الضوء على الفروق الأساسية بين ضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل، ونستعرض آليات تطبيق كل منهما، وأبرز المزايا والتحديات المرتبطة بهما.
اقرأ المزيد عن: إستراتيجيات الاستثمارات ذات الكفاءة الضريبية : كيفية تعظيم العائدات بعد خصم الضرائب
ما هي ضريبة القيمة المضافة (VAT)؟
وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تُطبق أكثر من 170 دولة حول العالم ضريبة القيمة المضافة، فما طبيعة هذه الضريبة؟
تختلف ضريبة القيمة المضافة عن ضريبة المبيعات في أنها لا تُفرض مرة واحدة على المنتج النهائي فقط، بل تُطبق على السلع والخدمات في جميع مراحل الإنتاج والتوزيع.
وتعتمد آلياتها الأساسية على فرض ضريبة على القيمة التي تُضاف إلى السلعة أو الخدمة في كل مرحلة من مراحل انتقالها داخل سلسلة التوريد.
فعلى سبيل المثال، يدفع مصنع الأثاث ضريبة على المواد الخام التي يشتريها، ثم يفرض بائع التجزئة ضريبة على سعر الجملة، وفي النهاية يتحمل المستهلك ضريبة القيمة المضافة ضمن السعر النهائي للمنتج.
بمعني آخر، تفرض الشركات ضريبة قيمة مضافة على مبيعاتها، تُعرف بضريبة المخرجات، وفي المقابل تدفع ضريبة على مشترياتها تُسمي ضريبة المدخلات، على أن يجري تسوية الفرق بينهما مع الجهات الضريبية.
اقرأ المزيد عن: معدل ضريبة القيمة بالإضافة إلى في المملكة العربية السعودية لعام 2026
ما هي ضريبة الدخل؟
تُفرض ضريبة الدخل بشكل مباشر على الدخل الذي يحققه الأفراد أو الشركات بعد خصم الاستقطاعات والتكاليف المسموح بها قانونًا.
وبالنسبة للأفراد، تشمل ضريبة الدخل عادة الرواتب والمكافآت، وعوائد الاستثمارات، والدخل الناتج عن الإيجارات أو العمل الحر، أما بالنسبة للشركات، فتُفرض الضريبة على صافي الأرباح بعد خصم مصروفات التشغيل.
وتعتمد ضرائب الدخل اشخصي على مبدأ القدرة على الدفع، بمعنى أن من يحقق دخلًا أعلى عادة ما يكون قادرًا على تحمل عبء ضريبي أكبر، ولذلك تُطبق أنظمة الشرائح الضريبية التي تفرض معدلات أعلى على أصحاب الدخل المرتفع.
آلية تطبيق الشرائح الضريبية
كما أشارنا أعلاه، تعتمد أنظمة الشرائح الضريبية على مبدأ مفاده أنك تدفع عادةً نسبةً أكبر من دخلك كلما زاد دخلك، أو كلما انتقلت إلى شريحة أعلى، ويُعرف هذا النظام باسم الضريبة التصاعدية، حيث تزداد معدلات الضريبة تدريجيًا مع زيادة الدخل.
وفيما يلي مثال مبسط على نظام الشرائح الضريبية:
- من 0 إلى 10 آلاف دولار: تُفرض ضريبة بنسبة 0% على هذا الجزء من الدخل.
- من 10.001 ألف إلى 25 ألف دولار: تُفرض ضريبة بنسبة 10% على هذا الجزء من الدخل.
- من 25.001 ألف إلى 50 ألف دولار: تُفرض ضريبة بنسبة 20% على هذا الجزء من الدخل.
ولحساب إجمالي الضريبة المستحقة، يتم احتساب الضريبة على كل شريحة على حدة، ثم تُجمع القيم الناتجة للحصول على إجمالي العبء الضريبي.
ومن المهم الانتباه إلى أن الاستقطاعات والخصومات تُحتسب قبل تطبيق الشرائح الضريبية، بمعني أن الشرائح الضريبية تحتسب بناءً على دخلك الخاضع للضريبة بعد الخصومات.
الفروق الأساسية بين ضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل
تختلف ضريبة القيمة المضافة عن ضريبة الدخل من حيث الأساس الخاضع للضريبة، وكذلك آلية تحصيلها:
- ضريبة القيمة المضافة: ترتبط مباشرة بعمليات الإنفاق والاستهلاك؛ فعندما تنفق الشركات على شراء المواد أو الخدمات، تُفرض عليها الضريبة، ما يجعل إيرادات ضريبة القيمة المضافة أكثر استقرارًا وقابلية للتنبؤ بالنسبة للحكومات.
- ضريبة الدخل: تعكس أداء الاقتصاد بشكل أوضح؛ فعندما يزدهر النشاط الاقتصادي يرتفع الدخل، ومن ثم تزداد حصيلة الضرائب، والعكس صحيح في فترات التباطؤ.
ويكمن اختلاف رئيس آخر بين الضريبتين في طريقة تقديم الإقرار الضريبي، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
كيفية تقديم إقرار ضريبة القيمة المضافة؟
تقوم الشركات بالتسجيل في نظام ضريبة القيمة المضافة، ثم تقدم إقرارًا ضريبيًا دوريًا، غالبًا عبر بوابة إلكترونية، يتضمن:
- إجمالي المبيعات وضريبة المخرجات المحصلة
- إجمالي المشتريات وضريبة المدخلات المدفوعة.
- صافي ضريبة القيمة المضافة المستحقة، وهو الفرق بين ضريبة المخرجات وضريبة المدخلات.
كيفية تقديم إقرار ضريبة الدخل؟
بالنسبة للأفراد، يُقتطع جزء من ضريبة الدخل عادةً مباشرة من الرواتب، مع إمكانية تقديم إقرار ضريبي لاحق يشمل أي دخول إضافية خارج الراتب، فضلًا عن المطالبة بالخصومات المسموح بها.
أما الشركات، فتقدم إقرارات ضريبية سنوية تشمل عادة:
- إجمالي الإيرادات.
- المصروفات القابلة للخصم.
- صافي الأرباح.
- قيمة الضريبة المستحقة.
أي النظام أكثر عدلاً، ضريبة الدخل أم ضريبة القيمة المضافة؟
يُعتبر ضريبة القيمة المضافة عادة أقل عدالة بالنسبة للأشخاص ذوي الدخل المنخفض، وذلك لأن النسبة نفسها تُطبق على الجميع بغض النظر عن القدرة على الدفع.
بعبارة أخرى، يضطر أصحاب الدخل المنخفض لدفع نسبة أعلى من دخلهم على السلعة أو الخدمة نفسها، ما يجعلهم أكثر تأثرًا.
للتخفيف من هذا العبء، تقدم بعض الدول معدلات ضريبة قيمة مضافة أقل على السلع الأساسية أو تعفيها تمامًا في بعض الحالات.
ومن ناحية أخرى، تُعتبر ضريبة الدخل أكثر عدلاً عادةً، لأنها تعتمد على مقدار ما يكسبه الفرد، ومن ثم يتحمل أصحاب الدخل المنخفض عبئًا أخف.
ومع ذلك، فإن مسألة العدالة تعتمد في النهاية على مدى فعالية تنفيذ النظام الضريبي؛ ففي حالة ضريبة الدخل، يكون التهرب الضريبي أسهل وأكثر شيوعًا، ما قد يسمح لبعض أصحاب الدخل المرتفع بدفع أقل من أصحاب الدخل المنخفض في بعض الحالات.
ويؤكد معظم الاقتصاديين أن النظام العادل هو الذي يجمع بين نوعي الضرائب، إذ أن الاعتماد المفرط على ضريبة القيمة المضافة قد يزيد من الفوارق الاقتصادية، بينما الاقتصار على ضريبة الدخل فقط قد يثني عن التوظيف الرسمي والاستثمار.
لماذا تُوصف ضريبة القيمة المضافة أحيانًا بأنها ضريبة تراجعية؟
غالبًا ما يُنظر إلى ضريبة القيمة المضافة على أنها ضريبة تراجعية، لأنها تفرض عبئًا نسبيًا أكبر على أصحاب الدخول المنخفضة.
ويعود ذلك إلى أن هذه الفئات تنفق نسبة أعلى من دخلها على الاحتياجات اليومية، مثل الغذاء والمواصلات والسلع الأساسية.
وبما أن ضريبة القيمة المضافة تُفرض على معظم هذه السلع والخدمات، فإن جزءًا أكبر من دخل ذوي الدخل المحدود يذهب إلى سداد هذه الضريبة مقارنة بذوي الدخول المرتفعة.
وبعبارة أخرى، قد تبدو ضريبة القيمة المضافة محايدة شكليًا لأنها تُطبق بالنسبة نفسها على الجميع، لكنها عمليًا تُثقل كاهل الأسر ذات الدخل المنخفض بشكل أكبر.
ما الفرق بين ضريبة الدخل والرسوم؟
يكمن الفرق الأساسي بين ضريبة الدخل والرسوم في نطاق التطبيق؛ إذ تستهدف ضريبة الدخل ما يحققه الأفراد من دخول، بينما تُفرض الرسوم على سلع أو خدمات أو معاملات محددة.
فعلى وجه التحديد، تشمل ضريبة الدخل الرواتب والأجور، وأرباح الشركات، وعوائد الاستثمارات والإيجارات، أما الرسوم، فتُفرض عادة على السلع المستوردة أو على معاملات معينة، مثل نقل ملكية العقارات.
وتُعد الرسوم التي تُعرض بالضريبة الانتقائية مثالًا شائعًا، إذ تُفرض على سلع تسبب آثار سلبية على الصحة أو البيئة، مثل التبغ والكحول والوقود.
وعلى عكس ضرائب المبيعات، تُسدد هذه الرسوم من قبل المنتجين أو المستوردين، ثم تُمرر تكلفتها إلى المستهلك بشكل غير مباشر عبر ارتفاع سعر البيع النهائي.
الفرق بين ضريبة الشركات وضريبة الدخل
تختلف ضريبة الشركات عن ضريبة الدخل من حيث إنها تُفرض على أرباح الشركات، وليس على دخول الأفراد، ويتم احتساب الربح الخاضع للضريبة بطرح المصروفات التشغيلية المسموح بها -مثل الأجور والإيجارات والمواد الخام- من إجمالي الإيرادات، على غرار ما يحدث مع الخصومات في ضريبة الدخل الشخصي.
غير أن الفارق الجوهري يتمثل في أن ضريبة الشركات غالبًا ما تكون بمعدل ثابت، أي إن النسبة الضريبية لا ترتفع مع زيادة الأرباح، بخلاف ضريبة الدخل الشخصي.
اقرأ المزيد عن: الحوافز الضريبية والتسهيلات التنظيمية للشركات الصغيرة والمتوسطة في السعودية
إخلاء المسؤولية
هذا المنشور لأغراض توعوية فقط ولا يُعد نصيحة استثمارية أو دعوة لاتخاذ أي إجراء مالي. لا يجوز الاعتماد عليه في اتخاذ قرارات استثمارية أو تمويلية.