الحد الفاصل بين الغرر ومخاطر الأعمال
من الأمور الرئيسية لتجنب الغرر في الشريعة الإسلامية العمل على الابتعاد عن المخاطر المفرطة وعدم اليقين الزائد، ومع ذلك فإن جميع الأنشطة التجارية والاستثمارية تنطوي على نوع من المخاطر والشكوك المحيطة بنتائجها.
فعندما يقوم شخص ما بالاستثمار، فإن بالعفل يخاطر بالمال والوقت والجهد على أساس أن العائد على هذا الاستثمار سيكون أعلى، لكنه في الوقت نفسه هو غير مضمون.
لذلك، السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هى درجة المخاطرة المقبولة في أي عمل تجاري حتى لا يُعتبر غررًا؟
اقرأ المزيد عن: ما هو الغرر وكيفية تجنبه؟
المخاطر التجارية المقبولة
يسمح الإسلام بالمخاطر التجارية التي قد تنشأ بشكل طبيعي في التجارة والاستثمار وريادة الأعمال، بل يشجع في الواقع على أخذ المخاطر في الحسبان لتحقيق مكاسب مشروعة، وتشمل هذه المخاطر ما يلي:
مخاطر الاقتصاد الكلي
هي عوامل المخاطرة والمؤشرات التي تتعلق بقراءة وفهم وضع الاقتصاد العام الأوسع نطاقًا صحة الاقتصاد العام، ومؤشرات مثل الناتج المحلي الإجمالي، ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، والتضخم، وسعر الصرف، والسياسة النقدية والمالية للدولة، بالإضافة إلى معدلات البطالة والتصنيفات الائتمانية.
مخاطر السوق
هى المخاطر التي تنشأ عن تقلبات السوق وتشمل هذه عوامل مثل الطلب الاستهلاكي (الذي يمكن أن يتأثر أيضًا بمخاطر الاقتصاد الكلي المذكورة أعلاه)، فضلاً عن عوامل العرض وسلسلة توريد الإمدادات.
مخاطر ريادة الأعمال والمشروعات
عند التنفيذ على أرض الواقع، يواجه المشروع أو العمل التجاري أنواعًا من المخاطر الخاصة به، مثل تأمين التصاريح اللازمة، والتكاليف الزائدة، وضمان توافر الإمدادات من العمالة الماهرة ومدخلات الإنتاج، فضلاً عن قدرات شركاء العمل.
القوة القاهرة
تتعلق بالظروف غير المتوقعة الخارجة عن إرادة الشركة والتي قد تؤثر في عملياتها، على سبيل المثال الكوارث الطبيعية مثل الأوبئة.
وعادة ما تتضمن العقود بنودًا تحدد الإجراءات التي يجب اتخاذها في حال وقوع مثل هذه الظروف غير المتوقعة.
المخاطر المرتبطة بالغرر
مخاطر عدم اليقين
عندما يكون وجود وإتاحة المنتج أو جودته أو مواصفاته أمور غير واضحة وأو غير محددة، فيعتبر ذلك غررًا.
المخاطر التعاقدية
تظهر عندما تكون شروط العقد أو الصفقة غير واضحة أو غير شفافة، فإن هذا يندرج ضمن نطاق الغرر.
مخاطر السمعة والشريك
عندما يكون الشخص الذي تتعامل معه غير معروف وغير واضح، ولا يُعرف ما إذا كان قادرًا على الوفاء بالالتزامات التعاقدية في الصفقة أو لا.
مخاطر أحادية الجانب
عندما تكون المخاطر في الصفقة تقع على بالكامل على عاتق طرف واحد، فإن هذا يعتبر غررًا، كون تقاسم المخاطر في المعاملة هو مبدأ أساسي في التمويل الإسلامي.
مخاطر المضاربة
الدخول في أي صفقة تحتوي على قدر مفرط من المضاربة دون مراعاة وجود قيمة حقيقية أو نتائج واضحة من وراء الصفقة.
التفرقة بين "خلق القيمة" و"المضاربة"
أحد المقاييس الرئيسية لتحديد الخط الفاصل بين المخاطر التجارية المقبولة والمضاربة التي قد تدخل منطقة الغرر هو ما إذا كانت المعاملة مبنية على خلق قيمة حقيقة للاقتصاد أم أنها مجرد لعبة مضاربة.
وكلما كان الصفقة أو المعاملة تهدف في المقام الأول إلى خلق قيمة اقتصادية حقيقية للسوق أو الأطراف المتعاقدة، كلما كان الاستثمار فيها أقل خطورة وأكثر فائدة.
ويفتقر الغرر إلى النشاط الاقتصادي الفعلي، في حين تنطوي الممارسات المالية المقبولة على خلق قيمة حقيقية وتحقيق نتائج يمكن قياسها وحسابها إلى حد ما.
ويتضمن خلق القيمة هنا، المزيد من العمل سواءً عبر الاستثمار في الإنتاجية أو تخصيص الوقت والجهد للمشروع.
على النقيض، تتضمن المضاربة جهدًا محدودًا للغاية جدًا، وإذا حدث ذلك، غالبًا ما يكون مبنيًا على عوامل غير ملموسة مثل سلوك الجماعة وعلم النفس، وعلى الرغم من إمكانية قياس هذه العوامل إلى حد ما، إلا أنها تظل غير قابلة للتنبؤ بشكل كبير.
وغالبًا ما يشارك المستثمرون المضاربون في موجات أو فقاعات سوقية، حيث يتم رفع أسعار الأصول بشكل مبالغ فيه دون أن ينتج عنها أي فائدة اقتصادية حقيقية، وسيتعرض هؤلاء المستثمرون للخسارة عندما تنفجر الفقاعة لاحقًا.
ومن ناحية أخرى، لا يوجد فاصل واضح بين المضاربة المفرطة والقمار في كثير من الأحيان.
البحث ومعرفة الأساسيات
الخطوة الأولى للدخول في أي معاملة أو استثمار مالي هي إجراء البحث المناسب، وبالنسبة لأي مشروع أو عمل تجاري، يحتاج المستثمر إلى معرفة أساسيات هذا العمل، بما في ذلك ديناميكيات السوق والأداء التاريخي والاتجاهات على المدى الطويل أو القصير والتكاليف، فضلًا عن مؤهلات وسمعة الشريك التجاري.
وبالمثل، عند النظر في الاستثمار المالي، يجب تقييم أساسيات هذا المنتج المالي من حيث الإنتاجية والقيمة على المدى الطويل.
أما التحليل الفني والأشكال المماثلة لأبحاث سوق الأسهم تركز على الأجل القصير وغالبًا ما تشجع المضاربة.
الحد من المخاطر في العقود
بشكل عام، تم تصميم العقود الإسلامية بهدف تقليل المخاطر المرتبطة بالغرر (عدم اليقين)، وذلك من خلال الالتزام بمجموعة من الإجراءات والتدابير التي يمكن أن تفيد لجميع أنواع العقود، وتشمل:
الوضوح
تحديد جميع الشروط والأحكام بشكل واضح ودقيق، دون ترك أي مجال للغموض أو التفسير بطريقة مختلفة.
الشفافية
الكشف بشكل واضح عن كافة المعلومات المتعلقة بالمعاملة.
الملكية والحيازة
يجب أن تكون السلعة المعروضة للبيع تحت ملكية وحيازة بائعها، وإذا لم يكن كذلك، يجب أن يلتزم بجدول زمني دقيق للتسليم.
تقاسم المخاطر
تركيز على العقود على توزيع المخاطر بين جميع الأطراف المعنية هي أمر أساسي للمعاملات المالية الإسلامية من خلال آليات مثل المشاركة في الربح والخسارة.
الجدول الزمني
يجب أن يحدد العقد جدولًا زمنيًا للتسليم وطريقة الدفع.
الاستشارة
من الأفضل دائمًا استشارة عالم إسلامي لضمان أن المعاملة تتوافق مع الشريعة الإسلامية.
إخلاء المسؤولية
هذا المنشور لأغراض تعليمية فقط، والشركة لا تقدم هذه الخدمات بشكل مباشر أو غير مباشر