ما هي مبادرات دولة الإمارات العربية المتحدة للاستثمار المستدام؟
شهد الاستثمار المستدام، أو ما يُعرف بالاستثمار المسؤول اجتماعيًا، نموًا متسارعًا على مدى العقود الماضية، إلا أن انطلاقته الحقيقية بدأت في عام 2004، مع صدور تقرير للأمم المتحدة بعنوان "من يهتم يربح"،
الذي دعا قادة الأعمال والمستثمرين إلى تبني مفهوم الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG) أي الاستثمار في شركات ومشروعات توازن بين العوائد المالية والمسؤوليات البيئية والاجتماعية.
وواجهت هذه المبادرة تباطؤ وانتقادات مؤخرًا، فعلى سبيل المثال، أغفل الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك لإدارة الأصول، لاري فينك، الإشارة إلى الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، في حديثه مع المستثمرين خلال عام 2025، رغم أنها خصص جزءًا كبيرًا من رسالته للمستثمرين عام 2021 للحديث عنها.
ورغم ذلك، لا تزال مكانة الاستثمار المستدام قوية على الساحة العالمية قوية، حيث تتوقع وكالة "موديز"، إصدار سندات مستدامة بقيمة تريليون دولار في عام 2025، بينما تشير تقديرات أخرى إلى أن حجم الأصول المعتمدة على الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات قد يتراوح بين 35 و50 تريليون دولار بحلول عام 2030
.
وهذا يعني أن الاستثمار المسؤول اجتماعيًا لا يظهر أي علامات على التراجع، بل على العكس، يواصل توسعه، وفي منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا في الإمارات والسعودية، يكتسب هذا التوجه زخمًا متزايدًا.
وفي هذا المقال، سنستعرض تطورات الاستثمار المستدام مع تسليط الضوء على مستجداته في منطقة الخليج.
كيف يعمل الاستثمار المستدام؟
الركيزة الأساسية في الاستثمار المستدام هي ما يُعرف بـ "الفحص السلبي"، وهي استراتيجية يقوم فيها المستثمرون باستبعاد الشركات أو المشروعات التي يكون لها تأثير سلبي على الممارسات البيئة والاجتماعية وحوكمة الشركات، أي أنها لا تلتزم بالاستثمار المسؤول اجتماعيًا.
يُترجم هذا عمليًا إلى إنشاء قوائم سوداء تستثني كيانات تعمل في قطاعات تعتبر ضارة أو مثيرة للجدل، مثل الكحول، والتبغ، والأسلحة، وهي مجالات يُستبعدها أيضًا الاستثمار المتوافق مع الشريعة الإسلامية، إضافة إلى الشركات التي تسجل انبعاثات كربونية عالية أو تنتهج ممارسات غير عادلة فيما يتعلق العمالة.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك، قرار صندوق الثروة السيادي النرويجي في عام 2015 بسحب استثماراته من عدد من شركات الطاقة الكبرى المنخرطة بشكل كبير في قطاع الفحم.
كيف يمكن التأكد من التزام الشركات بالممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة؟
في السنوات الأخيرة، ظهر قطاع متكامل تُعنى بمراقبة وتقييم أداء الشركات في معايير الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، حيث تقوم جهات متخصصة بمنح تصنيفات مستدامة، إلى جانب إطلاق منتجات استثمارية تركز على هذا التوجه.
وتقوم مؤسسات مثل "MSCI" و"Sustainalytics" بتقييم أداء الشركات والصناديق الاستثمارية من خلال منح درجات شبيهة بالتصنيفات الائتمانية، بحيث تُقدم تقييمًا عامًا وتفصيليًا لمستوى التزام الشركات بالمعايير المستدامة، حتى وكالات مالية كبرى مثل بلومبرغ أصبحت توفر هذه التقييمات ضمن أدواتها التحليلية.
وللحصول على تصنيفات إيجابية، يجب على الشركات الإفصاح عن بيانات دقيقة، مثل بصمتها الكربونية.
وتقوم بعد ذلك شركات تدقيق مستقلة مثل "برايس ووترهاوس كوبرز" وغيرها بمراجعة هذه المعلومات والتحقق منها، للحد من ظواهر مثل "الغسل الأخضر"، حيث تروج بعض الشركات لنفسها على أنها صديقة للبيئة بينما لا تتخذ خطوات حقيقية لذلك.
ويعتمد المستثمرون على هذه التقييمات لاتخاذ قراراتهم، إما باستبعاد الشركات ذات الأداء الضعيف في الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة، أو بتوجيه أموالهم نحو الشركات التي تُظهر التزامًا حقيقيًا بالاستدامة.
ووفقاً لدراسة أجرها بنك مورغان ستانلي الأميركي، فإن أكثر من ثلاثة أرباع المستثمرين الأفراد يرغبون في توجيه استثماراتهم نحو شركات تحقق نتائج مالية جيدة وتُسهم في الوقت ذاته في القضايا البيئية والاجتماعية.
ما هي الطريقة الأسهل للاستثمار المستدام؟
بالنسبة للراغبين بالاستثمار المعتمد على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، هناك العديد من الصناديق المتداولة في البورصة المخصصة لتتبع أداء الشركات الرائدة في هذا المجال.
من الأمثلة البارزة على ذلك: صندوق (SPDR S&P 500 Fossil Fuel Reserves Free ETF)، الذي يضم شركات من المؤشر الأميركي ستاندرد آند بورز 500 لا تمتلك احتياطيات من الوقود الأحفوري ولا تستثمر فيه.
وتتوفر صناديق الاستثمار المستدام بعدة أنواع، فبعضها يركز على مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بينما يختار البعض الآخر شركات تتمتع بتصنيفات ممتازة في المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة.
اقرأ المزيد: كيف يمكن للمستثمر المسلم اختيار صندوق الاستثمار المتداول المناسب؟
ما هي مبادرات دولة الإمارات العربية المتحدة للاستثمار المستدام؟
شهدت منطقة الخليج اهتمامًا متزايدًا بالاستثمار المستدام في السنوات الأخيرة، وكانت الإمارات في طليعة هذا التوجه، فهي أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تلتزم بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
وفي إطار هذه الرؤية، أعلنت الإمارات خطة لاستثمار 54 مليار دولار بحلول عام 2030 بهدف تنويع مزيج الطاقة الوطني وتقليل الانبعاثات الكربونية من مختلف قطاعات الاقتصاد.
وفي عام 2023، بدأت الإمارات تطبيق نظام إلزامي على الشركات المدرجة في بورصاتها الرئيسية للإفصاح عن المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة.
وبموجب هذا النظام، يُطلب من الشركات إعداد تقارير استدامة سنوية مع استراتيجيات واضحة للوصول إلى الحياد الكربوني خلال السنوات المقبلة.
ولا يمكن إغفال استضافة الإمارات لمؤتمر الأطراف كوب 28 في عام 2023، والذي لعب دورًا محوريًا في حشد التمويل العالمي لمبادرات تغير المناخ.
ماذا عن السندات المستدامة في الخليج؟
تتزعم الإمارات والسعودية دول منطقة الخليج في إصدار السندات المستدامة وغيرها من أدوات التمويل المخصصة للمشروعات الخضراء، مثل الطاقة النظيفة.
وفي عام 2024، شكلت السعودية والإمارات أكثر من نصف إجمالي إصدارات السندات المستدامة في الشرق الأوسط، بإجمالي بلغ 22.6 مليار دولار.
وتصدرت السندات الخضراء المخصصة لدعم مشروعات الطاقة المتجددة، معظم هذه الإصدارات، ومع ذلك، شهدت السوق حدثًا بارزًا في العام الماضي، مع إصدار أول سندات اجتماعية في دول مجلس التعاون الخليجي من قبل بنك رأس الخيمة الوطني بقيمة 600 مليون دولار، وتم تخصيص عائداته لدعم المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.
إخلاء المسؤولية
هذا المنشور لأغراض توعوية فقط ولا يُعد نصيحة استثمارية أو دعوة لاتخاذ أي إجراء مالي. لا يجوز الاعتماد عليه في اتخاذ قرارات استثمارية أو تمويلية.