كل ما تريد معرفته عن التمويل الإسلامي الحديث
يعد التمويل الإسلامي أحد أكثر القطاعات حيوية وتنافسية في مجال الخدمات المالية عالميًا. فهو يساوي اليوم قرابة الثلاثة تريليون دولار
عالميًا، ويتزايد نموه بما يعادل تقريبًا ١٠-١٢ ٪ خلال عامي ٢٠٢١، ٢٠٢٢.
ولقد سعى المسلمون على مر التاريخ في البحث عن إطارات قانونية ومالية مثالية تتماشى مع القيم والتعاليم الإسلامية المبنية على القرآن الكريم وأحاديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
وبخلاف إمكانياته الهائلة، لا يزال التمويل الإسلامي غريب ومعقد للجمهور السائد ولم يتم النظر لفوائده الفردية والاجتماعية بعين الاعتبار.
ستقدم مقالة اليوم نظرة عامة على التمويل الإسلامي. كيف بدأ التمويل الإسلامي الحديث؟ وماهي مبادئه الأساسية؟
هذه المقالة هي الأولى في سلسلة من شأنها أن تكشف عن مبادئ التمويل الإسلامي وتسهل معرفة الكثير عنه لمن يقرأ عنه للمرة الأولى.
بعض المعالم التاريخية حول التمويل الإسلامي
تم تأسيس التمويل الإسلامي كقطاع متكامل في النصف الثاني من القرن العشرين. ولكن كان يُستخدم بالفعل من قبل رجال الأعمال المسلمين منذ بداية نشأة الدين الإسلامي. وعبر القرون الوسطى، نجح التجار المسلمين في إنشاء أساسات مالية فعالة والتي كانت مبنية على مبادئ نظيرتها المسيحية الأوروبية في ذلك الوقت
بدأت البنوك في أوروبا وتحديدًا في القرن التاسع عشر بإنشاء فروع لها، ولكن لم يراها المسلمون مناسبة لهم حيث انها تتعارض مع مبادئ الدين الإسلامي. فما كان من المسلمين وقتها إلا إيجاد حلول مالية حديثة تتناسب مع قيمهم ومبادئهم الإسلامية.
كيف بدأ التمويل الإسلامي الحديث؟
أحد المعالم المهمة في تاريخ التمويل الإسلامي الحديث كان إنشاء بنك الادخار المحلي في قرية ميت غمر في مصر عام ١٩٦٣ والذي يعمل على أساس تعاوني لتمويل المشاريع الصغيرة في الريف المصري. وبالتزامن مع ذلك، تأسست في ماليزيا مؤسسة مدخرات
الحجاج المعروفة اليوم باسم تابونغ حاجي لتوفير خطط ادخار للحج.
كانت بداية انطلاقة التمويل الإسلامي الحديث في السبعينات من القرن التاسع عشر بشكل مضاعف نتيجة تأسيس النظام البنكي الإسلامي، فقد تم تأسيس أول بنك تجاري يتماشى مع احكام الشريعة الإسلامية في الشرق الأوسط وهو بنك دبي الإسلامي والذي أنشأه الحج سعيد لوتاه عام ١٩٧٥، وهو يعد اليوم ثاني أكبر بنك إسلامي في العالم. وقد تم أيضًا تأسيس أول بنك تنمية يتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية في عام ١٩٧٣، خلال مؤتمر وزراء المالية في دول العالم الإسلامي والذي أقيم في جدة، المملكة العربية السعودية و بدأ عمله رسميًا في عام ١٩٧٣.
وتعد المملكة العربية السعودية أحد أكبر المساهمين بما يقارب ٢٥٪ من أصوله. وقد ساهم هذا التطور في وصول النظام البنكي الإسلامي إلى أوروبا وتم فتح بنك بريطانيا الإسلامي في عام ٢٠٠٤ والذي يعرف أيضًا ببنك الريان.
التمويل الإسلامي اليوم
يتم توزيع أصول التمويل الإسلامي اليوم في جميع أنحاء العالم، ومعظمها في البلدان الإسلامية. ما يقارب من نصف الأصول الإسلامية موجودة في دول مجلس التعاون الخليجي (٤٥٪ من الأصول في عام ٢٠٢٠، وفقًا لتقرير استقرار صناعة الخدمات المالية الإسلامية لعام ٢٠٢٠). وتعد أيضًا بلدان جنوب شرق آسيا لاعبًا وعنصرًا مهمًا، حيث تمتلك ٢٤٪ من إجمالي الأصول.
ومع ذلك، فإن التمويل الإسلامي بدأ بالنمو في الدول غير المسلمة أيضًا مثل المملكة المتحدة. وقد أصدرت الحكومة البريطانية في عام ٢٠١٥ أول سند إسلامي سيادي بقيمة ٢٠٠ مليون جنيه إسترليني. وأصدرت سند اخر بقيمة ٥٠٠ مليون جنيه إسترليني في عام ٢٠٢١.
يتم توزيع أصول التمويل الإسلامي بين البنوك (٧٢٪ من الأصول في عام ٢٠٢٠) والسندات الإسلامية (٢٢٪ من الأصول) والصناديق الإسلامية (١.٣٪) والتأمين (التكافل ، ١.١٪).
ويشهد التمويل الإسلامي اليوم انتعاشًا هائلًا مع ازدهار شركات التقنية المالية المتطورة والمتوافقة مع الشريعة الإسلامية مثل منصة فَندِينق سُوق التي تقدم حلولًا مبتكرة في سياق التحول الرقمي السريع للخدمات المالية.
ماهي مبادئ التمويل الإسلامي الأساسية؟
يرتكز التمويل الإسلامي الحديث على مبادئ أساسية قوية، والتي تهدف إلى إنشاء معاملات أخلاقية مبنية المشاركة العادلة للمخاطر بين الطرفين:
١- العدالة والشفافية: لا يمكن أن تستند المعاملات إلى شروط وأحكام غير واضحة. يجب الكشف عن جميع الشروط والأحكام المضمنة في المعاملات في العقد بوضوح.
٢- تحريم الاستثمار في الشركات التي تتاجر في الممارسات المحظورة وفقًا للشريعة الإسلامية، والتي من ضمنها بيع لحم الخنزير أو إنتاج الكحول والمخدرات والمواد الإباحية.
٣- تحريم فرض أو دفع الفائدة (الربا)، والتي تعرف بأنها "فائض القيمة بدون مقابل", فالإسلام يعتبر المعاملات القائمة على الربا غير عادلة لأنها تفضل المقرض على حساب المقترض.
٤- دعم الأصول: لا يمكن كسب المال من المال، وبالتالي يجب أن يكون لهذه المعاملات المالية صلة مباشرة بالأصول الملموسة الأساسية.
٥- تحريم ممارسة الميسر والغرر: ويقصد بالميسر المعاملات التي يكون فيها الربح أو امتلاك سلعة ما غير مؤكد لأنه يتوقف على حدوث حدث غير مؤكد في المستقبل، وتعد المقامرة شكل من أشكال الميسر. أما الغرر فهر يشير إلى المعاملات التي يكون فيها وجود الأصل أو إحدى صفاته غامض وغير مؤكد.
الخاتمة
يعتبر قطاع التمويل الإسلامي قطاع واعد وسريع النمو، فهو مبني على أسس أخلاقية وقانونية واقتصادية قوية ومتينة والتي بدورها تعتمد على مبادئ قوية وشاملة.
يوفر التمويل الإسلامي بأساسه المتين العديد من البدائل المبتكرة والتي يمكن تنفيذها لحل مشاكل النظام المالي التقليدي. وسنسرد في المقال القادم من هذه السلسلة هياكل التمويل الإسلامي الرئيسية وكيفية تطبيقها عمليًا.
حقوق الصورة: Khaleelah Ajibola on Unsplash
إخلاء المسؤولية
هذا المنشور لأغراض تعليمية فقط، والشركة لا تقدم هذه الخدمات بشكل مباشر أو غير مباشر