هل التأمين على الحياة حلال أم حرام؟
رؤية أعمق للجدل الدائر حول التأمين على الحياة في الإسلام
أصبح التأمين، بمختلف أنواعه وبدائله، جزءًا لا يتجزأ من الحياة المعاصرة للأفراد والشركات، حيث يسعى كل فرد إلى حماية نفسه وأسرته من المخاطر المحتملة، ولذلك يلجأ الكثيرون إلى التأمين باعتباره وسيلة لتقليل آثار أي حادث أو ظرف طارئ يواجههم.
وفي هذا الإطار، لا تحظر الشريعة الإسلامية تجنب المخاطر أو الحد منها، بل تعتبره سلوكًا مستحبً، فقد حثت آيات عديدة في القرآن الكريم، إلى جانب أحاديث نبوية شريفة، على الحيطة والأخذ بالأسباب.
ويذكر الله تعالى قصة النبي يوسف (عليه السلام) كنموذج للتخطيط المالي السليم: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾، سورة يوسف، الآية 55.
كما جاء في الحديث الشريف أن رجلًا جاء للرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأراد أن يترك ناقته، قال: "أأعْقِلها وأتوكل؟ أو أُطْلِقها وأتوكل؟، فقال صلى الله عليه وسلم: اعقلها، وتوكل".
وهذا يبين أن الإسلام يشجع على اتخاذ التدابير العملية للحد من المخاطر، بشرط ألا تتعارض هذه التدابير مع أحكام الشريعة.
فرغم أن الهدف من التأمين على الحياة وغيره، وهو الحماية وتوفير الأمان المالي، هدف نبيل في ذاته، فإن التأمين التجاري التقليدي غير جائز شرعًا لاشتماله على عناصر الربا، والغرر (عدم اليقين المفرط)، والميسر (القمار).
اقرأ المزيد: الفروق الرئيسية بين المضاربة والميسر في الإسلام
ما هو التأمين على الحياة؟
يُعرف التأمين على الحياة بأنه وثيقة تأمين تضمن تقديم تعويض مالي للمستفيدين من المؤمن عليه في حال وفاته أو إصابته بالعجز.
كما يمكن وصفه بأنه آلية يقوم من خلالها الفرد بتحويل المخاطر المالية إلى شركة التأمين مقابل دفع أقساط منتظمة.
ويهدف هذا النوع من التغطية إلى حماية المستفيدين من الخسائر المالية الناتجة عن وفاة المؤمن عليه أو تعرضه لإصابة أو إعاقة أو مرض.
كيف يعمل التأمين التقليدي على الحياة؟
يعتمد التأمين على الحياة بصورته التقليدية على آلية نقل المخاطر، ويعتمد على الشروط والمبادئ التالية:
العقد وهو اتفاق بيع وشراء، حيث يدفع العميل قسطًا مقابل الحصول على وثيقة التأمين.
تجمع شركة التأمين الأقساط المدفوعة من مختلف الأفراد وتضعها في صندوق مشترك.
تستثمر شركة التأمين المبالغ المجمعة في مجالات مختلفة لتحقيق أرباح، نظرًا للفارق الزمني بين تحصيل الأقساط وسداد التعويضات.
تستخدم شركة التأمين هذه الأقساط إلى جانب الأرباح الناتجة عنها لسداد التعويض في حالة وقوع الحدث المؤمن عليه.
في حالة استحقاق الوثيقة والشخص المؤمن عليه على قيد الحياة، يُدفع للعميل مبلغ محدد وفق شروط الوثيقة، وهو عادةً مبلغ التأمين مضافًا إليه الأرباح المتحققة منه.
لماذا يعتبر بعض العلماء التأمين على الحياة حرامًا؟
يرى معظم العلماء أن التأمين التقليدي على الحياة حرام لاحتوائه على عناصر غير متوافقة مع الشريعة الإسلامية، مثل الربا، والغرر، والميسر، وهذه العناصر تجعل التأمين التقليدي غير جائز في الإسلام.
رأي العلماء الذين يجيزون بعض أنواع التأمين على الحياة
إن الهدف من التأمين في حد ذاته أمر مستحب في الشريعة الإسلامية وقد أمر الله تعالى بالتعاون على الخير، حيث قال ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾
ومن هذه الآية يتضح أن التعاون والمساعدة المتبادلة بين الناس أمر مرغوب فيه، لكن إذا كان الهدف مشروعًا بينما الآلية المستخدمة لتحقيقه غير متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، فإن الوصول إلى هذا الهدف لا يكون جائزًا ولا مستحسنًا ويُعد التأمين التقليدي مثالًا واضحًا على ذلك.
الأسئلة الشائعة حول التأمين على الحياة
١- هل جميع أنواع التأمين على الحياة حرام في الإسلام؟
نعم، التأمين على الحياة بجميع أنواعه غير جائز من منظور الشريعة، لاحتوائه على الربا والغرر والقمار.
اقرأ المزيد عن: ما هو الغرر و كيفية تجنبة
٢- ما البديل الحلال للتأمين على الحياة؟
البديل الشرعي للتأمين على الحياة هو التكافل، والذي يقوم على نماذج متوافقة مع الشريعة الإسلامية مثل نموذج الوقف، والنموذج التعاوني، ونموذج الوكالة، ويعتمد التكافل على مبدأ تقاسم المخاطر المباح في الإسلام.
٣- هل يوفر التكافل نفس مزايا التأمين التقليدي؟
يُعدّ كل من التكافل والتأمين التقليدي على الحياة وسيلتين لتخفيف المخاطر وتوفير الحماية المالية، لذلك يؤديان نفس الغرض.
٤- هل يجب على الشخص المالك لوثيقة تأمين على الحياة إلغاؤها فورًا؟
إذا علم صاحب الوثيقة بحرمة التأمين التقليدي، يجب عليه إلغاء الوثيقة واسترداد المبلغ الذي دفعه فقط، دون أخذ أي مبلغ زائد على رأس المال.
٥- هل يجوز للمسلم الحصول على تأمين على الحياة إذا كان مطلوبًا من جهة العمل؟
يجب أولًا أن يطلب الموظف من جهة العمل توفير تغطية تكافلية بدلًا من التأمين التقليدي، فإن لم يكن ذلك ممكنًا، أو رفضت الجهة، جاز له أخذ التأمين اضطرارًا، ويسترد عند انتهاء الوثيقة ما دفعه فقط.
أما أي مبلغ زائد، سواء حصل عليه خطأ أو اضطرارًا، فيجب التبرع به.
المرجع
المراجع: مالك، عدنان، وكريم الله؛ مقدمة في التكافل، المجلد ١٠، سبرينغر سنغافورة، ٢٠١٩.
إخلاء المسؤولية
هذا المنشور لأغراض توعوية فقط ولا يُعد نصيحة استثمارية أو دعوة لاتخاذ أي إجراء مالي. لا يجوز الاعتماد عليه في اتخاذ قرارات استثمارية أو تمويلية.