هل البيتكوين حلال؟ حكم الشريعة الإسلامية في امتلاك البيتكوين كأصل رقمي
لطالما كانت العملة وسيلة أساسية للتبادل التجاري عبر العصور، فقد استخدم الأفراد والمؤسسات العملات لشراء وبيع السلع، والمشاركة في الأنشطة الاقتصادية، ومع تطور العصر الحديث، ظهرت عملة جديدة تُعرف بالعملة الافتراضية أو العملة المشفرة.
ما هي البيتكوين؟
البيتكوين هي الأكثر شهرة وانتشارًا بين جميع العملات الرقمية أو المشفرة، وأُنشأها "ساتوشي ناكاموتو" بالتعاون مع "مارتي مالمي"، وساهم الاثنان في تطويرها.
وقدمت البيتكوين شكلًا جديدًا للعملات الرقمية، يتمثل في كونها لامركزية وتستند إلى التشفير، وتتكون من عنصرين رئيسيين:
١- سلسلة الكتل أو البلوكتشين: وهي سجل موزع تحتفظ به كل أجهزة الكمبيوتر في الشبكة، ويتضمن سجلًا كاملاً لجميع معاملات البيتكوين
٢- أزواج المفاتيح (Key Pairs) : هي تتكون من أرقام كبيرة مترابطة رياضيًا، ويمكن للطرفين التحقق منها، مما يوفر مستوى كبير من الخصوصية ، وذلك بفضل تقنيات التشفير والتحقق المدمجة في بروتوكول البيتكوين.
ما هي استخدامات البيتكوين؟
بعد إطلاق البيتكوين في أوائل عام 2009، ظلت غير منتشر نسبيًا وفي نطاق محدود خلال أول 5 سنوات، وبحلول عام 2014، بدأ زخم البيتكوين وازداد عدد المهتمين بها، وجذبت عددًا متزايدًا من المطورين إلى عالم العملات الرقمية.
وبمرور الوقت، أصبحت البيتكوين تدريجيًا وسيلة دفع مقبولة للعديد من المتاجر الإلكترونية والتقليدية.
وقبل التطرق إلى استخداماتها المختلفة، لا بد من توضيح مدى توافقها أولًا مع الشريعة الإسلامية؛ فهناك اختلاف كبير في آراء العلماء حول حكم التعامل بالبيتكوين وأنها حرام أم حلال.
هل البيتكوين حلال أم حرام؟ شرح آراء العلماء
نظرًا لطبيعة البيتكوين، دارت نقاشات واسعة حول مدى جواز التعامل بها في الشريعة الإسلامية، وبشكل عام، يمكن تقسيم آراء العلماء إلى اتجاهين رئيسيين:
الرأي الأول: العملات الرقمية والبيتكوين حرام
يتبنى هذا الرأي عدد من العلماء والجهات الرسمية، من أبرزهم مفتي الديار المصرية، والحكومة التركية، ودار الإفتاء الفلسطينية.
ويستند هذا الرأي إلى أن العملات الرقمية، مثل البيتكوين، تتسم بقدر كبير من المضاربة والتقلبات العالية في القيمة، وهو ما يجعلها غير متوافقة مع الشريعة الإسلامية.
الرأي الثاني: العملات الرقمية والبيتكوين جائزة من حيث الأصل
يتبنى هذا الرأي علماء آخرون، مثل المفتي فراز أحمد، ودار الإفتاء التابعة لمعهد دار العلوم زكريا في جنوب أفريقيا، ويقول المفتي فراز: إذا توفرت معايير معينة، يمكن اعتبار البيتكوين مالاً"، وهذا يعني أنه لها قيمة يمكن التعامل بها.
أين يكمن الخلاف؟
يمكن خلاف العلماء في نقطتين رئيسيتين: ما إذا كانت البيتكوين "مالًا" ومدى إمكانية استخدامها كعملة لتبادل.
أولاً: هل البيتكوين مالًا؟
حتى يُعتبر الشيء "مالًا" في الشريعة الإسلامية، يجب أن تتوفر فيه 3 شروط أساسية:
١- الرغبة فيه
٢- قابلية التخزين
٣- التقوُّم (له قيمة شرعية)
وحتى يوم 20 يوليو 2025، وصلت القيمة السوقية لعملة البيتكوين فوق 2.3 تريليون دولار أميركي، بسعر سوقي 117.9 ألف دولار، وفقًا لموقع (blockchain.com).
وهذا يُظهر وجود رغبة واضحة فيه، بناءً على مبدأ العرض والطلب. أما من حيث قابليته للتخزين، فيتم حفظ البيتكوين على البلوكتشين ضمن سجل إلكتروني عام (بحسب المفتي فراز).
أما "التقوُّم" في الشريعة الإسلامية، فهو يعني أن يكون للشيء قيمة معتبرة من الناحية الشرعية، والقاعدة الأساسية تقول: "الأصل في الأشياء والمعاملات الإباحة حتى يرد دليل بالتحريم" (مجمع الأنهر، ص 568).
وبناءً على ذلك، يرى الفريق الثاني الذي يُجيز البيتكوين، أن العملة المشفرة مجرد أرقام ورموز، ولا يوجد نص شرعي يمنعه، وبالتالي يُعتبر مالًا رقميًا له قيمة شرعية وينطبق عليها شرط "التقوُّم".
أما الفريق الأول (القائل بالتحريم)، فهو يرى أن البيتكوين لا يُعد مالًا حقيقيًا لأنه مجرد رموز رقمية لا تؤدي وظيفة حقيقية أو منفعة ملموسة، بخلاف الأصول الحقيقية التي تؤدي غرضًا، وبالتالي، فإنها تفتح المجال أمام المضاربة والمقامرة، وهو ما يؤدي إلى تحريمها شرعًا.
اقرأ المزيد عن: فهم القبض: مفهوم الحيازة في الفقه الإسلامي
هل تعتبر البيتكوين عملة للتبادل؟
المسألة الثانية محل الخلاف هي إمكانية اعتبار البيتكوين نقودًا، وعملة تستخدم في التبادل.
الرأي الأول (غير جائز)
يستند العلماء الذين يرون أن البيتكوين غير جائزة، إلى عدم وجود سلطة مركزية تراقب النظام، وبما أن نظام البيتكوين لا يخضع للإشراق أو الرقابة، فلا يجوز استخدامها كعملة قانونية (أبو بكر، 2017).
وتقول الجهة الدينية في الحكومة التركية: "تداول العملات الافتراضية غير جائز حاليًا، لأنها غُرضة للمضاربة (الغرر)، ويمكن استخدامها في أنشطة غير مشروعة مثل غسل الأموال".
ومن الأسباب الأخرى:
- العملات المشفرة غير مدعومة بأي شيء أو أصل حقيقي.
- البيتكوين غير ملموسة، ولا يمكن استخدامها إلا عبر الإنترنت.
اقرأ المزيد عن: الغررو كيفية تجنبه
الرأي الثاني (جائز)
أما الفريق المؤيد لجواز استخدام البيتكوين كعملة، فيرى أنه شيء يتوفر فيه خصائص المال:
- أن يكون ذو قيمة ومقبولًا بين الناس بشكل كبير.
- أن يكون مقبولًا كوسيلة للتبادل.
- أن يكون وحدة حساب وتقييم للسلع وغيرها.
- أن يكون مقياسًا للقيمة.
وبناءً عليه، فإن أي عملة مشفرة تحقق هذه الشروط تُعتبر مالًا وعملة مشروعة للتعامل.
تحليل الرأي الأول
يرى العلماء الذين يُحرمون استخدام البيتكوين والعملات المشفرة أن هناك عدة أسباب تدعو إلى ذلك وأبرزها:
- عدم وجود جهة مركزية داعمة: بالتالي لا يمكن اعتبار البيتكوين آمنة أو موثوقة، ولكن هناك رد يعارض هذا الرأي هو استحالة التلاعب بالقوانين التي تتحكم في أنظمة تعدين البيتكوين، وذلك بسبب تقنية التشفير المستخدمة.
كما أن تقنية البلوكتشين أكثر أمانًا من الأنظمة المركزية التقليدية التي تعتمد عليها البنوك، حيث يصعب اختراقها.
- البيتكوين عرضة للمضاربة واستخدامها في الأنشطة غير القانونية: يُعارَض هذا الرأي بأنه رغم شيوع المضاربة والأنشطة غير القانونية، مثل غسل الأموال، في استخدام العملات المشفرة، فإن هذا لا يمنع استخدامها كعملة.
فالغرر والمضاربة ليست أنشطة مقتصرة على البيتكوين فقط، فإذا كان هذا هو المعيار، فسيتم أيضًا استبعاد أصول مثل الذهب والفضة نظرًا لارتفاع المضاربة في تداولها.
وينطبق الأمر نفسه على غسل الأموال، حيث تُستخدم جميع الأموال النقدية في هذه الأنشطة، ومع ذلك لا تزال تُستخدم كعملة.
خلاصة القول
أصبحت عملة البيتكوين والعملات المشفرة الأخرى جزءًا بالغ الأهمية في عالم الأصول والاستثمار، ومن الضروري للغاية مراعاة الشريعة الإسلامية في هذا الصدد؛ فالشريعة الإسلامية تُجيز بيع وشراء الأصول إذا توفرت فيها شروط وضوابط معينة.
في هذا المقال، تم استعراض وجهتي النظر المختلفتين حول جواز أو عدم جواز التعامل بالبيتكوين.
فالفريق الأول من العلماء، الذي يرى جوازها، استند إلى وظيفة البيتكوين كأصل رقمي قابل للتداول وكعملة، كما اعتمد على معياري المال والتقوُّم في الشريعة لإثبات شرعية التعامل بها.
أما الفريق المعارض، فيرفض التعامل بها بناءً على طبيعة العملة المشفرة ذاتها، التي تتسم بالمضاربة والغموض.
ورغم هذا الخلاف، من المهم قبل تبني أي رأي النظر إلى البُعد الأخلاقي في الاقتصاد الإسلامي، حيث يجب مراعاة القيم والأخلاق قبل إبداء أي رأي.
فالإسلام لا يُجيز النظام القائم على المضاربة المفرطة والديون التي تؤثر في الاقتصاد الحقيقي، بل يجب أن يخدم النظام المالي الاقتصاد.. ويبقى السؤال المطروح للنقاش: هل العملات المشفرة تخدم الاقتصاد الحقيقي أم لا؟
إخلاء المسؤولية
هذا المنشور لأغراض توعوية فقط ولا يُعد نصيحة استثمارية أو دعوة لاتخاذ أي إجراء مالي. لا يجوز الاعتماد عليه في اتخاذ قرارات استثمارية أو تمويلية.
