العربية
لا يخلو أي استثمار من المخاطر، لكن الأمر يتوقف على مدى تحملك للمخاطرة، فإذا كنت ترغب في تحقيق عوائد أعلى، فإن درجة المخاطرة ستكون أعلى في الغالب.
لهذا السبب، تُقدم أذون الخزانة الأميركية، المدموعة بالثقة الكاملة والائتمان من الحكومة الأميركية، عوائد أقل من السندات الصادرة عن الشركات، والتي ترتبط بالملاءة المالية للشركات، مما يجعلها أكثر مخاطرة.
ويمتلك كل مستثمر ما يُعرف بـ"شهية للمخاطر" أو مستوى معين من عدم اليقين يكون مستعدًا لتحمله، وغالبًا ما تحدد هذه الشهية عوامل شخصية: هل أنت في مقتبل العمر ومستعد لتحمل مخاطر أكبر؟ أم أنك تقترب من التقاعد وتحتاج إلى حماية رأس المال؟
ورغم أن المخاطر لا يمكن التخلص منها بالكامل، فإنه يمكن فهمها والتعامل معها من خلال إستراتيجيات فعالة تُقلل من آثارها.
وفي هذه المدونة، نسلط الضوء على 5 مخاطر رئيسية تواجه أي مستثمر، إلى جانب نصائح عملية للحد من تأثير كل منها.
تُعرف أيضًا بالمخاطر النظامية، وهي المخاطر الشاملة التي تؤثر على السوق بأكمله، وتشمل الأحداث الاقتصادية الكبرى مثل ركود مفاجئ للاقتصاد، أو زعزعة استقرار دولة ما بسبب اضطرابات سياسية، أو الكوارث الطبيعية التي تؤدي إلى تراجع النشاط الاقتصادي بشكل حاد، وكل هذه الأمثلة تضر الاستثمار.
بغض النظر عن نوع الاستثمار، سواء كان في الأسهم أو العقارات أو السلع، فإن معظم الأصول عرضة لهذه المخاطر العامة في السوق.
مثال: في الأزمة المالية العالمية عام 2008، انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة تقارب 50% خلال 6 أشهر فقط، بعدما تحول انهيار سوق الإسكان الأمريكي إلى أزمة اقتصادية عالمية شاملة أثرت على البنوك والاستثمارات في مختلف أنحاء العالم.
كيفية التخفيف: التنويع هو مفتاح الحماية من المخاطر، صحيح أن مخاطر السوق تطال غالبية فئات الأصول، لكن توزيع الاستثمارات بين قطاعات مختلفة وأسواق متعددة حول العالم فستكون أقل عرضة للخسارة عند تعرض أي اقتصاد أو سوق بعينه لأزمة.
حقيقة مثيرة: الصكوك الإسلامية أقل ارتباطًا بالأصول التقليدية، لذلك سجلت أداءً أفضل من معظم الأدوات الاستثمارية الأخرى خلال أزمة 2008، ويُعزى ذلك إلى ارتباطها بأصول حقيقية ملموسة، وليس بالجدارة الائتمانية للمؤسسات المالية أو أدوات المضاربة.
اقرأ المزيد: مقارنة بين تمويل الصكوك والتمويل التقليدي
تتمثل مخاطر السيولة في عدم قدرتك على بيع استثمارك بسرعة عند الحاجة، وغالبًا ما يحدث ذلك في الأسواق التي تضم عددًا محدودًا من المشترين.
وفي كثير من الحالات، قد تضطر إلى خفض سعر الأصل من أجل جذب المشترين، ما يؤدي إلى تكبد خسائر، وأبرز مثال على ذلك هو سوق العقارات، حيث يضطر ملاك المنازل إلى خفض أسعارهم بشكل كبير لإتمام البيع.
ومع ذلك، فإن مخاطر السيولة لا تقتصر على العقارات، بل تظهر في العديد من الأصول، خصوصًا تلك الأوصل المتخصصة أو ذات القيمة السوقية الصغيرة مثل أسهم الشركات الصغيرة.
مثال: خلال جائحة كوفيد-19، واجه سوق السندات الأميركية أزمة سيولة حادة، حيث سارع المستثمرون إلى بيع سنداتهم في وقت واحد، فواجهوا نقصًا حادًا في المشترين وقلة في السيولة.
كيفية التخفيف: تأكد من أن جزءًا مناسبًا في محفظتك الاستثمارية من أصول سائلة مثل أسهم الشركات الكبرى أو صناديق الاستثمار المتداولة، مع تجنب تركيز نسبة كبيرة من أموالك في أصول يصعب بيعها كالعقارات أو أسهم الشركات الصغيرة أو بعض أنواع السندات.
كما يُنصح بالاحتفاظ بجزء من محفظتك في شكل نقد أو ما يعادله، مثل صناديق سوق النقد، لتتمكن من الوصول إلى السيولة عند الحاجة.
تُعرف أيضًا بمخاطر التخلف عن السداد، أو احتمال أن يعجز الطرف الآخر عن الوفاء بالتزاماته المالية، وتظهر هذه المخاطر غالبًا في الاستثمارات القائمة على الديون، مثل القروض والسندات.
ففي هذه الحالة، تكون قد أقرضت المال، لكن الحكومة أو الشركة التي أصدرت السند لا تسدد المبلغ بالكامل أو في موعده.
- مثال: تسببت جائحة كوفيد-19 في ضغوط شديدة على المالية العامة للعديد من الدول، ما أدى إلى تخلف 7 دول عن سداد ديونها الخارجية، وهي: بليز وزامبيا والإكوادور والأرجنتين ولبنان، وسورينام (مرتين).
ونتيجة لذلك، حذرت وكالة ستاندرد آند بورز غلوبال للتصنيف الائتماني من احتمالية تخلف الدول عن السداد بشكل متكرر خلال العقد المقبل في ظل ارتفاع مستويات الديون وزيادة تكاليف الاقتراض.
- كيفية التخفيف: لا بديل عن البحث والتحليل المتعمق (العناية الواجبة)، تحقق من الجدارة الائتمانية للمقترض من خلال تحليل القوائم المالية والتصنيفات الائتمانية، واتجاهات القطاع الذي ينشط فيه.
من الحكمة أيضًا ألا تمنح نسبة كبيرة من التمويل لمقترض واحد، ويُفضل تنويع مصادر الإقراض، وفي بعض الحالات، يمكن التفكير في الحصول على تأمين لحماية استثماراتك من مخاطر التخلف عن السداد.
- حقيقة مثيرة: أدوات التمويل المتوافقة مع الشريعة الإسلامية -مثل المرابحة- تقلل عادة من مخاطر الائتمان، لأنها تكون مدعومة بأصول حقيقية تُستخدم كضمان.
اقرأ المزيد: دليلك الشامل لمرابحة السلع
تشير هذه المخاطر إلى عدم قدرة استثمارك على مجاراة وتيرة التضخم، ما يؤدي إلى خسارة في القيمة الحقيقية لأموالك،
وتعرف مخاطر التضخم بأنها وتُعرف أيضًا بمخاطر تآكل القوة الشرائية، لأنها تعني أن أموالك، رغم ثباتها رقميًا، فإنها تفقد قدرتها على شراء نفس السلع والخدمات مع مرور الوقت نتيجة ارتفاع الأسعار.
- مثال: إذا وضعت أموالك في حساب توفير أو جاري لا يحقق أي عائد، وكان معدل التضخم 5% خلال العام، فإن قيمة مدخراتك الحقيقية تنخفض بنفس النسبة (5%)، حتى وإن كانت الأموال لا تزال محفوظة في البنك.
- كيفية التخفيف: احرص على أن تحتوي محفظتك الاستثمارية على أصول قادرة على تجاوز معدلات التضخم، مثل العقارات، الأسهم المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، أو حتى الذهب، الذي يُعد وسيلة شائعة للتحوط ضد التضخم.
اقرأ المزيد: قياس العوائد الاسمية مقابل العوائد الحقيقية
قد يؤثر تغير أسعار الفائدة كثيرًا على استثماراتك، ورغم أن التمويل الإسلامي يتجنب التعامل بالفائدة (الربا)، فإن البيئة الاقتصادية المرتبطة بأسعار الفائدة لا تزال تؤثر على ربحية الأصول بشكل عام، حتى تلك التي لا تعتمد على الفائدة بشكل مباشر.
فعندما ترتفع أسعار الفائدة، تصبح الأصول التي تدر عوائد ثابتة أو منخفضة أقل جاذبية، مما يؤدي إلى تراجع الطلب عليها، كما أن ارتفاع أسعار الفائدة يؤثر على سلوك المستهلكين، إذ تصبح القروض أكثر تكلفة، ما يقلل من قدرتهم على الإنفاق.
وفي المقابل، تواجه الشركات أعباءً أكبر في سداد ديونها، خاصة مع ارتفاع خدمة الدين، مما يؤثر سلبًا على أرباحها.
- مثال: لنفترض أنك مستثمر في صندوق استثمار عقاري، وإذا بدأت البنوك المركزية برفع أسعار الفائدة، فإن هذه الصناديق -التي تعتمد غالبًا على تمويل بالدين- ستشهد تراجعًا في أرباحها بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض، ما يؤدي إلى انخفاض سعر السهم في السوق.
- كيفية التخفيف: إذا كنت تتوقع ارتفاع أسعار الفائدة، فأعطي الأولوية للشركات ذات الديون المنخفضة، لأنها أقل عرضة للتأثر بارتفاع تكاليف الاقتراض.
كما يمكنك الاستثمار في أدوات ذات عائد متغير، مثل الصكوك ذات العائد المتغير، والتي تتحرك عادة بالتوازي مع أسعار الفائدة التقليدية مع تجنب الربا في الوقت نفسه.
اقرأ المزيد حول: ما هي القروض المتاحة الخالية من الربا في الإمارات العربية المتحدة؟
إخلاء المسؤولية
هذا المنشور لأغراض توعوية فقط ولا يُعد نصيحة استثمارية أو دعوة لاتخاذ أي إجراء مالي. لا يجوز الاعتماد عليه في اتخاذ قرارات استثمارية أو تمويلية.
