دليل المبتدئين للتحوط في الاستثمار الحلال
التحوط هو إستراتيجية هامة لإدارة المخاطر يجب أن يفكر فيها كل مستثمر ذكي، ببساطة، يعني التحوط إجراء عملية شراء أو تداول إضافية تهدف إلى تعويض أو تقليل الخسائر المحتملة في استثمارك الأساسي، تمامًا مثل التأمين.
لكن التحدي يكمن في كيفية تطبيق هذه الإستراتيجية، حيث تتعدد طرق وأساليب التحوط، وهو ما سنعمل على تبسيطه في هذا المقال، عبر عرض بعض الأمثلة.
عادةً ما تقوم الشركات الكبرى باتخاذ تحوطات ذكية لتجنب الخسائر الكبيرة، على سبيل المثال، في العقد الأول من القرن الـ21، ارتفعت أسعار النفط بشكل مفاجئ، مما أثر سلبًا على صناعة الطيران.
لكن شركة ساوث ويست إيرلاينز تمكنت من توفير مليارات الدولارات بفضل تحوط ذكي؛ فقبل زيادة أسعار النفط، كانت قد أبرمت عقودًا طويلة الأجل لشراء الوقود بسعر ثابت، وهذا مكّنها من دفع 51 دولارًا للبرميل، في وقت كانت فيه أسعار النفط فوق 140 دولارًا للبرميل.
وبفضل هذا التحوط، حافظت شركة الطيران على ربحيتها بينما كانت الشركات المنافسة تعاني.
وهذا مثال واضح لما يُسمى بالتحوط ضد السلع، وهو استثمار يهدف إلى حماية المستثمر من الارتفاعات الحادة في أسعار السلع الأساسية مثل النفط أو القمح أو الذهب.
هل التحوط التقليدي حلال؟
لا شك أن مسألة ما إذا كانت طرق التحوط المختلفة حلالًا أم لا من الموضوعات المثيرة للنقاش، خصوصًا أن التحوط قد يتضمن آليات متعددة، بعضها قد يتعارض مع مبادئ التمويل الإسلامي.
فمن ناحية، قد يتضمن التحوط شراء المشتقات المالية مثل الخيارات والعقود الآجلة والمقايضات، وهو أمر غير جائز في الشريعة الإسلامية، حيث يرى العديد من العلماء الإسلاميين أنه ينطوي على الغرر (عدم اليقين) وقد تتطلب عدم امتلاك الأصول الفعلية، كما يرى بعضهم أن هذه الممارسات تشبه المقامرة.
من ناحية أخرى، هناك أدوات مثل العقود المستقبلية -كما في مثال شركة ساوث ويست- التي يمكن أن تساعد في تقليل التقلبات وعدم اليقين، وغالبًا ما ترتبط بأصول حقيقية وملموسة، لذا يرى بعض العلماء أن بعض هذه الأدوات قد تكون جائزة وفقًا لمبادئ الشريعة الإسلامية.
اقرأ المزيد: لماذا تعتبر العديد من إستراتيجيات تداول الأوراق المالية الشائعة حرامًا؟
أبرز أمثلة إستراتيجيات التحوط التقليدية
من أجل فهم فكرة التحوط بشكل عام، فيما يلي بعض أمثلة التحوط التقليدي التي تستخدمها الشركات والمتداولون، ثم نتناول بعض الأنواع التي تم تعديلها لتكون متوافقة مع الشريعة الإسلامية.
۱-التحوط ضد تقلبات العملات
تواجه الشركات الدولية خطر تقلبات العملات، حيث قد تنخفض أرباحها إذا ضعفت العملة التي تكسب بها مقابل العملة التي يتم تحويل الأرباح إليها، بمعنى أوضح قد تنخفض أرباح الشركة إذا تراجعت قيمة العملة المحلية للدولة التي تستثمر بها.
وللتحوط ضد هذا الخطر، تقوم الشركات بشراء عقود مستقبلية تثبت لها سعر الصرف، على غرار الطريقة التي استخدمتها شركة ساوث ويست إيرلاننز، عندما ثبتت السعر المستقبلي لشراء النفط.
۲- التحوط ضد تقلبات أسعار الفائدة
يمكن أن تؤدي تقلبات أسعار الفائدة إلى زيادة تكلفة ديون الشركات، هو خطر كبير قد يؤثر سلبًا على أرباح الشركة.
وللتحوط ضد هذا الأمر، تستخدم الشركات التي تعتمد على التمويل بالديون مقايضات أسعار الفائدة لتثبيت سعر فائدة على ديونها، مما يحميها من الارتفاعات في أسعار الفائدة.
۳-التحوط ضد تقلبات الأسهم
تشكل الأسهم استثمارًا محفوفًا بالمخاطر كونها معرضة للانخفاض في أي وقت.
وتتمثل إحدى إستراتيجيات التحوط الشائعة ضد تقلبات الأسهم هي شراء خيارات البيع، هذه الخيارات توفر حماية ضد انخفاض قيمة الأسهم، حيث تمنح المستثمر حق بيع الأسهم بسعر محدد مسبقًا (يسمى سعر التنفيذ).
بمعنى أنه حتى إذا تراجع السهم بشكل حاد، يظل للمستثمر الحق في بيعه بسعر لا يقل عن سعر معين، مما يقلل من الخسائر المحتملة.
هل التحوط دائمًا يتضمن المشتقات المالية؟
لا، فالتحوط يمكن أن يعني ببساطة القيام باستثمارات من المحتمل أن تتحرك أسعارها عكس أصولك الأساسية، على سبيل المثال، الذهب غالبًا ما يكون استثمارًا جيدًا في الأسواق الهابطة لأنه يُعتبر ملاذًا آمنًا.
وبالتالي، يمكن اعتباره نوعًا من التحوط لمحفظتك، وكذلك، يمكن أن يكون الاستثمار في العقارات وسيلة للتحوط ضد التضخم، حيث تميل أسعار العقارات إلى الارتفاع مع زيادة الأسعار في الاقتصاد بشكل عام.
أبرز الأمثلة الخاصة بإستراتيجيات التحوط الحلال
بالنسبة للراغبين في الاعتماد على إستراتيجيات تحوط حلال، فقد تم تطوير مجموعة من الأدوات المالية في عالم التمويل الإسلامي المتزايد، التي تتيح التحوط في الاستثمارات مع تجنب المضاربة،
والمعاملات القائمة على الفائدة، وعدم اليقين الخاص بالاستثمارات التقليدية مثل المشتقات المالية.
إليك بعض الأمثلة:
۱ -عقود السلم: تشبه العقود الآجلة، حيث تتيح بيع سلعة لتسليمها في وقت لاحق بسعر متفق عليه، وبشروط محددة بوضوح، وهذا يمكن أن يستخدم للتحوط ضد احتمال ارتفاع سعر المدخلات الرئيسية للإنتاج أو المواد الخام اللازمة لأعمالك.
۲-عقود الاستصناع: تشبه عقود السلم، لكنها تركز على تصنيع السلع أو البناء بدلاً من شراء المواد الخام، على سبيل المثال، يمكن لشركة عقارات استخدام هذا النوع من العقود لتثبيت سعر مشروع مستقبلي، للتحوط ضد زيادة أسعار المواد مثل الحديد والأسمنت التي قد تزيد تكلفة تنفيذ المشروع.
۳-عقود المرابحة: هي عقود تمويل تعتمد على بيع أحد الأطراف لأصل إلى طرف آخر بسعر يتضمن هامش ربح مع سداد التمويل على أقساط، ويمكن استخدامها للتحوط ضد ارتفاع الأسعار في المستقبل من خلال تثبيت السعر الحالي.
اقرأ المزيد: ما الفرق بين المساومة والمرابحة؟
٤- الصكوك: هي سندات إسلامية مشابهة للسندات التقليدية لكنها توفر عوائد استثمارية بناءً على الأصول الحقيقية بدلاً من مدفوعات الفائدة.
ويمكن أن تكون جزءًا من إستراتيجية التحوط لأنها لا تتعرض لمخاطر تقلبات أسعار الفائدة، وتوفر عوائد ثابتة على عكس السندات التقليدية التي قد تنخفض قيمتها في فترات ارتفاع أسعار الفائدة، كما يمكن أن تحمي ضد تقلبات السوق نظرًا لأنها ترتبط بأصول مستقرة.
اقرأ المزيد: مقارنة بين تمويل الصكوك والتمويل التقليدي
إخلاء المسؤولية
هذا المنشور لأغراض تعليمية فقط، والشركة لا تقدم هذه الخدمات بشكل مباشر أو غير مباشر
