هل التقسيط حلال؟ المنظور الشرعي لسيناريوهات مختلفة من البيع بالتقسيط
البيع بالتقسيط هو من أهم أنواع البيوع المنتشرة بين أفراد المجتمعات المعاصرة، ويعود ذلك إلى المنافسة الشديدة بين المنتجين من جهة وضعف القدرة الشرائية للمستهلكين من ناحية أخرى.
ببساطة، كثير من الناس يحتاجون إلى السلع، لكنهم لا يستطيعون شراؤها نقدًا بسبب نقص السيولة، وفي ظل ما تشهده الأسواق من ركود اقتصادي في بعض الأحيان، لجأت العديد من المؤسسات والشركات إلى اعتماد نظام البيع بالتقسيط كوسيلة لتوفير السلع للمستهلكين.
يُلبي هذا النهج حاجة المستهلكين للمنتجات الأساسية، كما يحفز الدورة الاقتصادية، ما يُمكّن المنتجون والمصنعون من إعادة استثمار العوائد المحققة في مراحل لاحقة من الإنتاج. (مقروبين وكورنياوان، ٢٠٢٢)
ومع زخم انتشار البيع بالتقسيط، أصبح من الضروري فهم مدى توافقه مع الشريعة الإسلامية، وكذلك تحديد كيفية تجنب الربا والميسر والغرر، وهي عوامل مشتركة تجعل هذه المعاملات محرمة من منظور الشريعة الإسلامية. (مقروبين وكورنياوان، ٢٠٢٢)
اقرأ المزيد حول: الغرر: ما هو؟ وكيف يمكن تجنبه؟
ما هو تعريف البيع بالتقسيط؟
يمكن تعريف البيع بالتقسيط بأنه دفع ثمن سلعة على دفعات محددة مسبقًا خلال فترة زمنية معلومة، والتقسيط في الاصطلاح هو تأجيل سداد الدين وتقسيمه على آجال معلومة ومحددة، ووفقًا لما ذكره سليمان بن تركي التركي،
وبناءً على ذلك، يمكن القول إن البيع بالتقسيط هو: عقد بيع بثمن مؤجل، يُدفع على أقساط في مواعيد معلومة ومحددة (مقروبين وكورنياوان، ٢٠٢٢).
هل البيع بالتقسيط حلال أم حرام؟
من منظور الشريعة الإسلامية، يُعد البيع بالتقسيط حلالًا، إذا تم وفقًا للضوابط والأحكام الشرعية المتعلقة بهذا النوع من المعاملات، وأبرز هذه الشروط:
-أن يتملّك المشتري السلعة فورًا عند إتمام البيع.
-أن تكون قيمة الأقساط ومواعيد سدادها محددة ومعروفة بشكل واضح للبائع والمشتري.
اقرأ المزيد عن : فهم القبض: مفهوم الحيازة في الفقه الإسلامي
المنظور الشرعي لسيناريوهات مختلفة من البيع بالتقسيط
۱- البيع بالتقسيط بسعر ثابت متفق عليه
إذا اتفق البائع والمشتري على سعر السلعة خلال مجلس العقد، وتم الاتفاق على أن يكون البيع مؤجلاً، بحيث يُسلم البائع السلعة إلى المشتري فورًا، بينما يقوم المشتري بسداد الثمن على أقساط محددة ومعروفة مسبقًا، فإن هذا النوع من البيع يُعرف بـ "البيع المُؤجل"، وهو البيع الذي يكون فيه تسليم السلعة فورًا ودفع الثمن مؤجلًا إلى موعد مستقبلي محدد (عثماني، 2015).
۲- التقسيط عبر المرابحة (البيع بسعر التكلفة مضافًا إليها هامش ربح)
المرابحة هي نوع من البيوع يكشف فيها البائع للمشتري عن تكلفة السلعة إلى جانب هامش ربح محدد ومتفق عليه، ويمكن إتمام هذا البيع إما نقدًا (الدفع الفوري) أو بالتقسيط.
في حالة المرابحة بالمؤجلة، يُسدد المشتري الثمن المتفق عليه على دفعات مجدولة خلال فترة زمنية محددة.
ومن منظور الشريعة الإسلامية، يُشترط عدم فرض أي فوائد أو غرامات تأخير في حال تأخر المشتري عن سداد الأقساط، لضمان توافق العملية مع أحكام المعاملات الإسلامية.
الشروط والأحكام الأساسية لبيع المرابحة
۱- وجود السلعة المبيعة (محل البيع) وقت العقد: يجب أن تكون السلعة موجودًا فعليًا وقت إبرام عقد البيع، إذ لا يجوز شرعًا بيع ما هو غير موجود، ويُعد العقد باطلًا في حالة عدم وجود السلعة.
۲- امتلاك البائع للمبيع وقت البيع: يجب أن تكون السلعة المبيعة مملوكة للبائع وقت إبرام العقد، وإلا تندرج تحت "البيع على المكشوف"، وهو محرم شرعًا.
۳- أن يكون البيع فوريًا وكاملًا: يجب أن يكون البيع نافذًا وفوريًا، لا مُعلقًا على حدوث أمر مستقبلي غير مضمون.
٤- ألا يستخدم المبيع في أغراض غير مشروعة تخالف الشريعة الإسلامية.
٥- معرفة وتحديد مواصفات السلعة المبيعة بالنسبة إلى المشتري.
٦- أن يكون ثمن السلعة معلومًا، فإذا كان غير مؤكد بطل البيع. (عثماني، 2015).
۳- البيع بالتقسيط بدون فوائد
يُعتبر البيع بالتقسيط جائزًا شرعًا إذا استوفى جميع الشروط والضوابط المتعلقة به، ومنها:
۱- تحديد ثمن السلعة مقدمًا بشكل واضح قبل إبرام العقد.
۲- أن يتسلم المشتري السلعة، وإلا فإن البيع يُعتبر غير جائز، والسبب في هذا الحكم أن إتمام العقد دون أن يتسلم (يقبض) المشتري السلعة يندرج تحت بيع الدين بالدين (بيع الكالي بالكالي)، وهو محرم شرعًا.
كما ورد في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالي بالكالي، وهو البيع الذي لا يستلم فيه المشتري السلعة ولا يحصل فيه البائع على الثمن.
۳- ثبات الثمن بعد الاتفاق عليه؛ فلا يجوز تقليله عند التعجيل في السداد، ولا زيادته عند التأخير.
٤- يجب أن يكون جدول الدفع بالتقسيط محددًا ومعلومًا بشكل مسبق، (العثماني، 2013).
٤- البيع بالتقسيط مع شرط غرامة التأخير في السداد
إذا تضمن عقد البيع بالتقسيط شرط غرامة التأخير، فإن هذا العقد يُصبح غير جائز شرعًا، وذلك لأن اشتراط غرامة التأخير يجعل العقد يقع تحت بند الربا (الفائدة) وهو محرم شرعًا. (عثماني، 2015).
٥- نظام "اشترِ الآن وادفع لاحقًا"
تقدم بعض المؤسسات المالية الإسلامية حلولًا تمويلية تقوم على نظام "اشترِ الآن وادفع لاحقًا"، حيث يحصل العميل على السلعة فورًا، على أن يسدد ثمنها لاحقًا من خلال أقساط محددة ومتفق عليها مسبقًا.
لمزيد من التفاصيل حول آلية هذا النظام، والشروط والأحكام التي تنظمه، يُرجى الاطلاع على المقال الخاص به (هنا).
ما الفرق بين البيع بالتقسيط والقرض الربوي (القرض القائم على الفائدة)؟
- البيع بالتقسيط معاملة قائمة على عقد البيع، بينما القرض الربوي يعتبر عقد تمويل أو قرض.
- في البيع بالتقسيط، يكون المقابل هو ثمن السلعة، بينما في القرض الربوي، يكون المقابل هو الفائدة، إلى جانب أصل القرض.
- في البيع بالتقسيط، لا تُفرض غرامة في حالة التأخر عن السداد، بينما يتم فرض غرامة في حالة في القرض الربوي. (عثماني، 2015).
اقرأ المزيد حول: الاسئلة الشائعة عن القرض الحسن في التمويل الإسلامي
ما الفرق بين خطط التقسيط الحلال والحرام؟
يكمن الفرق بين خطط التقسيط الحلال والحرام في مدى التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية:
خطط التقسيط الحلال: تُنظم وفقًا لشروط وضوابط الشريعة الإسلامية، وتخلو من المحظورات الشرعية التي تُبطل العقد مثل الربا والغرر والبيع على المكشوف.
خطط التقسيط الحرام: فتتضمن عناصر محرمة تجعل العقد غير جائز شرعًا، مثل: فرض رسوم أو غرامات عند التأخير في السداد، وجود فوائد على الأقساط (ربا) والغموض المفرط (الغرر).
المراجع:
- العثماني، م، ت، (2013): قضايا فقهية معاصرة (ص 277).
- مقروبين، أ، وكورنياوان، سي، إس، (2022): البيع بالتقسيط: تطبيقاته المعاصرة في التمويل المصرفي الإسلامي (دراسة حالة: بروناي دار السلام). المجلة الماليزية للشريعة والقانون، 10(1)، 1–10.
https://doi.org/10.33102/mjsl.vol10no1.268
- عثماني، م،ع،أ (2015): دليل الخدمات المصرفية الإسلامية (الطبعة الجديدة، ص. 342).
إخلاء المسؤولية
هذا المنشور لأغراض توعوية فقط ولا يُعد نصيحة استثمارية أو دعوة لاتخاذ أي إجراء مالي. لا يجوز الاعتماد عليه في اتخاذ قرارات استثمارية أو تمويلية.
