الاستثمار الملائكي: دليل للاستثمار في مشاريع المرحلة المبكرة
ما هو الاستثمار الملائكي؟
المستثمر الملاك هو الفرد الذي يقدم رأس المال لشركة ناشئة أسسها رائد أعمال، ويكون ذلك غالبًا مقابل أسهم أو حقوق الملكية في الشركة.
ومن الناحية المثالية، يوفر المستثمر الملاك قيمة لرائد الأعمال تتجاوز النقد (الكاش)، إما في شكل خبرة أو شبكة اتصال مع السوق.
عادةً ما يكون المستثمرون الملائكة من أوائل المستثمرين الخارجيين في الشركة، لأنهم يميلون إلى المشاركة في مرحلة مبكرة عن مستثمري رأس المال المغامر أو الجريء، وهذا ما يجعل الاتجاه الصاعد المحتمل للاستثمار مربحًا للغاية ولكنه أيضًا استثمار محفوف بالمخاطر.
وعلى غرار مستثمري رأس المال المغامر، يجب أن يقبل المستثمرون الملائكة احتمالية خسارة الأموال في 9 من أصل 10 استثمارات، ولكن مكاسب الاستثمار الوحيد الناجح هذا، يمكن أن تعوض خسائر الاستثمارات الأخرى.
على سبيل المثال، قدم شون فانينغ تمويلًا أوليًا بقيمة 25 ألف دولار لشركة أوبر، ثم ارتفعت القيمة المستحقة إلى 124.137 مليون دولار في الاكتتاب العام خلال عام 2019.
كيف تبدأ الاستثمار الملائكي؟
١-شبكة الاتصال
أحد أهم جوانب الاستثمار الملائكي هو امتلاك شبكة تجد لك أفضل الصفقات، والتي يمكن العثور عليها من خلال طريقتين:
أولاً، يمكن العثور علنًا على الصفقات من خلال مواقع التمويل الجماعي للأسهم، ولكن هذه الصفقات عادةً ما تكون ذات جودة أقل حيث تخلى عنها مستثمري القطاع الخاص الذين لم يجدونها مُربحة.
ثانيًا، يمكن للفرد أن يجد لنفسه الصفقات بناءً على خلفيته وشبكة معلوماته واتصالاته الخاصة؛ إذ يتمكن الأشخاص الذي يعملون في مجال التكنولوجيا من الوصول إلى الصفقات المناسبة للاستثمار الملائكي.
٢-مجموعة المستثمرين الملائكة
هى نقابة أو تحالف لمجموعة من المستثمرين مجتمعين للاستثمار في شركة ناشئة بمرحلة مبكرة، ويعتبر ذلك مصدرًا جيدًا للحصول على الصفقات إذ لم يكن الفرد على صلة بالبيئة التكنولوجية.
وتختار هذه المجموعة مستثمرًا رائدًا في النقابة، يتمثل دوره في التفاوض على الشروط مع الشركة الناشئة والقيام بإجراءات العناية الواجبة نيابة عن المستثمرين الآخرين.
وهناك العديد من الأمثلة لهذه المجموعات معروفة في منطقة الشرق الأوسط مثل، مجموعة الرياض للمستثمرين الأفراد (Riyadh Angels) ومجموعة مستثمرو السعودية (Saudi Angel Investors) ومجموعة مستثمري دبي (Dubai Angel Investors) ومجموعة وين (WAIN) وهى شبكة للمستثمرات النساء.
٣-القضايا القانونية والمحاسبية
إذا كنت ستذهب بمفردك للاستثمار في شركة ما، فمن الضروري أن يتطلع محامي تجاري على تفاصيل الصفقات الأولى، وعلى الرغم من أن هذا يعد تكلفة إضافية، إلا أن مكاسبك من هذه الصفقة قد تكون ضخمة على المدى الطويل.
في المقابل، يوفر الاستثمار مع مجموعة من المستثمرين الملائكة ميزة المساعدة على إنجاز مثل هذه الأمور القانونية الخاصة بالصفقة.
الاستثمار الملائكي في الشركات الناشئة
لا شك الاستثمار في الشركات الناشئة الواعدة يفيد الاقتصاد ويشجع الابتكار، فعلى سبيل المثال، وفرت المملكة المتحدة وظائف هائلة بعد إطلاق مخطط (SEIS) عام 2012 وهو مخطط الاستثمار المؤسسي الأولي، لتشجيع المستثمرين على تمويل الشركات الناشئة مع تقليل المخاطر.
ويأتي ذلك عن طريق تقديم إعفاءات ضريبية كبيرة تصل إلى 150 ألف جنيه إسترليني للمستثمرين مقابل الاستثمار في الشركات الصغيرة والناشئة في المملكة المتحدة.
وعلى الرغم من عدم وجود ضريبة دخل في الشرق الأوسط، يمكن للحكومات تقديم الحوافز بطريقة أخرى لتحفيز الأفراد على الاستثمار في الشركات الناشئة.
هل الاستثمار الملائكي حلال؟
باختصار، الاستثمار الملائكي حلال ومتوافق مع الشريعة الإسلامية، حيث يشجع الإسلام على الاستثمار في المشروعات والأصول، لعدّة أسباب منها:
- يزيد من ثروة المستثمر
- يزيد ثروة الآخرين، ما يجعله يساعد على توزيع الثروة وغير ذلك.
- يحفز نمو الاقتصادي
ومع ذلك، يجب أن يلتزم الاستثمار بصفة عامة بمبادئ الشريعة الإسلامية، التي تحظر بعض الأنشطة المالية مثل التي تقوم على الربا والغرر والمسير وغيرها من الأنشطة المحرمة شرعًا.
وحتى يتمكن المستثمر من الامتثال لذلك، يجب أن يضع في اعتباره أمرين أساسيين: طبيعة العمل وهيكل الصفقة.
١-طبيعة العمل
قبل الاستثمار، يجب التأكد أولًا من أن أعمال هذه الشركة حلال، حيث ينبغي ألا تشارك الشركة الناشئة في الأنشطة المحرمة، مثل الكحول أو القمار.
والشيء الآخر الذي يجب الانتباه إليه هو أن النشاط التجاري يمكن أن يكون حلالًا، مثل شراء عقار، ولكنه ينطوي على أنشطة محرمة، مثل أن تكون مصادر التمويل غير شرعية، وهذا ما يتضح في الأمر الثاني:
٢-هيكل الصفقة
يمكن أن تكون طبيعة عمل الشركة الناشئة حلالاً، لكن قد يكون هناك شبهة حول مصدر التمويل تجعله غير متوافق مع الشريعة.
وفي مثال للتوضيح، من الممكن أن تكون الشركة الناشئة قد اتخذت شكلاً من أشكال التمويل غير المتوافق مع الشريعة الإسلامية، مثل الديون التي تحمل فائدة، وإذا لم تفعل الشركة ذلك في البداية، فقد تضطر إلى هذا الأمر في المستقبل أو يشجع ممول آخر ذلك، وهذا يجعل من الضروري التوضيح منذ البداية بشأن مصادر تمويل الشركة على المدى الطويل.
ومع ذلك، لا تتوقف المخاوف بشأن هيكل الصفقة على هذا الحد، بل تعد الأسهم القابلة للتحويل والعائد المفضل والأسهم الممتازة أمرًا شائعًا في تمويل الشركات بمرحلة مبكرة، لذلك من المهم إلقاء نظرة فاحصة عليها كما يلي:
الأسهم القابلة للتحويل
بصفة عامة، الأسهم القابلة للتحويل تعني إمكانية تحويل الأسهم إلى ورقة مالية أخرى في وقت محدد، وهو ما يجعلها مميزة عن الأسهم العادية، لذلك تعدّ أداة شائعة للشركات الناشئة التي تبحث عن التمويل في المراحل المبكرة.
وهنا تكون الأسهم القابلة للتحويل بمثابة قروض يتم تحويلها إلى حقوق ملكية في مرحلة محددة، والتي غالبًا ما تكون عند تقييم الشركة في جولة لاحقة، بهدف تأخير إجراء أيّ تقييم للشركة الناشئة في هذه المرحلة المبكرة، لأنه قد يغفل حق المستثمرين الأوائل الذين تحملوا مخاطر الاستثمار في البداية.
وفي الجولة التالية للتقييم، يكون المستثمرون محميين بسقف التقييم -أعلى تقييم للشركة الناشئة يقوم المستثمر عنده بتحويل الورقة المالية إلى حقوق ملكية- فضلًا عن حوافز أخرى مثل خصم بنسبة مئوية معينة على سعر السهم المباع في التمويل.
وبالنظر إلى توافق هذا النوع من الأسهم مع الشريعة الإسلامية، يشير المفتي يوسف سلطان إلى أمرين رئيسين:
-يمكن أن تشمل هذه العقود قروضًا بفوائد، على الرغم من أن ذلك أقل شيوعًا في الوقت الحاضر.
-حتى لو كان التمويل أو القرض لا يحمل فوائد ربوية، فإنه لا يزال مرتبطًا بتحويله فيما بعد إلى حقوق الملكية بسعر مخفض -إما بمعدل خصم أو سقف تقييم.
في أي من هاتين الحالتين السابقتين، هناك ميزة مرتبطة بالقرض، وفي الشريعة الإسلامية، لا يمكن دمج عقد قرض بأي شكل من الأشكال مع آخر قد يعود بالفائدة على المُقرض، لأن أي فائدة إضافية يتم الحصول عليها من خلال القرض تكون ربا.
في الآونة الأخيرة، أطلقت مجموعة عقال -مجموعة المستثمرين الملائكة في السعودية- أداة متوافقة مع الشريعة الإسلامية تهدف إلى مواجهة التحديات المذكورة أعلاه.
العائد المفضل
يُعرف العائد المفضل بشكل أكثر شيوعًا بمعدل العائد المطلوب، وهو الحد الأدنى للعائد الذي يجب أن يحصل عليه المستثمرون قبل أن يتمكن المدير أو الشريك العام في شركات الملكية الخاصة من المشاركة في الأرباح.
وفي هذا الصدد، تُجيز معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) التفرقة في تقسيم الأرباح بين طرفين مختلفين، ومع ذلك، فهي لا تسمح للمدير بمنع إعطاء الربح تمامًا لأيّ من الطرفين؛ سواءً فيما يخص عائد المستثمرين أو الربح الخاص به.
من الناحية العملية، تشترط هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية أن يستحق الشريك العام جزء صغير على الأقل من أول أرباح محققة، قد تكون مثلًا 5%-10%، لتكون بمثابة مكافأة على إدارة رأس المال.
الأسهم الممتازة
بشكل عام، هناك نوعان من الأسهم، الأسهم العادية، وهى متوافقة مع الشريعة الإسلامية، والأسهم الممتازة وهى غير مسموح بها، لأنها يمكن أن تقع تحت مظلة مزيج من الديون وحقوق الملكية.
وتكون الأسهم العادية أكثر شيوعًا في سوق الأوراق المالية أو البورصة، في حين تكون الأسهم الممتازة سائدة في أسهم الشركات الخاصة وشركات رأس المال المغامر.
والأسهم الممتازة هي نوع من الأسهم تمنح مالكها مزايا إضافية تفوق حقوق حملة الأسهم العادية؛ إذ تُوزع الأرباح على حملة الأسهم الممتازة أولًا قبل المساهمين العاديين، كما يحصلون على أرباح ثابتة، وهو ما لا يحدث مع حملة الأسهم العادية.
ليس هذا فحسب، بل إن الشركة إذا تعرضت للإفلاس، يحصل مالكو الأسهم الممتازة على حقوقهم أولًا قبل حملة الأسهم العادية.
وبناءً على الاختلافات سالفة الذكر، فإن الأسهم الممتازة لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية، بسبب عدم التوازن في تحمل المخاطر؛ حيث تكون المخاطر أقل لدى حملة الأسهم الممتازة لكنهم الأكثر ربحًا.
كما أن توزيع الأرباح الثابتة يدخل تحت مفهوم الربا، وهذا ما يجعل الأسهم غير جائزة إذا كانت مضمونة بدفع رأس المال أو أرباح محددة بشكل ثابت.
خلاصة القول
الاستثمار الملائكي هو أحد أكثر أنواع الاستثمار الممتعة والمُجزية، لأنه يمنحك الإثارة بكونك جزءًا من الشركة الناشئة المحتملة القادمة لتغيير العالم، وهذا لا يشبه أي شكل آخر من أشكال الاستثمار، ومع ذلك، فإنه يأتي مع مخاطر كبيرة للغاية.
ويندرج الاستثمار الملائكي ضمن فئات الأصول البديلة حيث إنه يعدّ -من الناحية الفنية- ملكية خاصة في الشركات التي في مراحلها الأولى والتي يمتلك المستثمر فيها حصة أقلية.
ومن منطلق تكوين محفظة استثمارية، يجب أن تشكل فئات الأصول البديلة جزءًا أصغر من محفظة الفرد عند مقارنتها بالأسهم وأدوات الدخل الثابت، لذلك ينبغي أن يمثل الاستثمار الملائكي نسبة صغيرة برقم فردي من المحفظة.
والأهم من ذلك، أن الاستثمار الملائكي هو مثل جميع أنواع الاستثمار الأخرى، من حيث أهمية معرفة الفروق بين المعاملات الحلال والحرام، وإلا فلن تعود الأرباح في نهاية المطاف بأي فائدة.
Taylor Nicole on Unsplash مصدر الصورة
المصادر
قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 63 (1/7)
مكانة أسهم التفضيلات من المنظور الإسلامي
هل يجوز التداول في الأسهم الممتازة
إخلاء المسؤولية
هذا المنشور لأغراض تعليمية فقط، والشركة لا تقدم هذه الخدمات بشكل مباشر أو غير مباشر