منظور الشريعة الإسلامية حول تقاسم الأرباح مقابل الفائدة المضمونة
يسعى الكثير من الموظفين في الوقت الحالي إلى ادخار أموالهم لتعزيز قدرتهم على مواجهة التحديات المستقبلية، حيث يختار بعضهم الاستثمار في أدوات مالية ذات عائد ثابت، حيث يحصلون على فائدة مضمونة على رأس مالهم.
في المقابل، يتجنب آخرون هذا النوع من العوائد لما فيه من مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، إذ تُعد الفائدة الثابتة والمضمونة من المعاملات الربوية المحرمة.
وبدلًا من الاستثمار في هذه الأدوات ذات الفائدة المضمونة، يفضل هؤلاء الدخول في عقود الشراكة التي توفر عوائد مشروعة ومتوافقة مع مبادئ الشريعة.
ولكن عقود الشراكة أو تقاسم الأرباح هذه لا تخلو من التحديات، حيث لا يضمن المستثمر الربح دائمًا، بل يتحمل كذلك نصيبه من الخسارة بحسب حصته في الشراكة.
وذلك على عكس المستثمر في الأدوات القائمة على الفائدة المضمونة، فلا يواجه أي خطر خسارة، لأن هذه عقود ربوية لا تتضمن الخسارة.
ومن منظور الشريعة الإسلامية، يُحرم التعامل أو الاستثمار في العقود الربوية، لذلك، من المهم لكل مسلم أن يدرك آلية عمل عقود تقاسم الأرباح وأهميتها في تحقيق الالتزام بأحكام الشريعة.
اقرأ المزيد عن: شرح الربا: لماذا هو محرم في الإسلام؟ وكيف يختلف عن التجارة؟
ما هو تقاسم الأرباح؟
يشير تقاسم الأرباح في الفقه الإسلامي إلى العائد المتغير والفعلي الناتج عن نشاط تجاري مشروع، ويبرز هذا المصطلح بشكل خاص في عقود الشراكة مثل المشاركة والمضاربة، حيث يحصل كل طرف على نصيبه من الأرباح بناءً على نسبة محددة مسبقًا أو وفقًا لحصته في رأس المال، فإذا حقق المشروع ربحًا، يتم تقسيمه بين المشاركين.
ما المقصود بـ "ربح التجارة" (البيع) مقابل "ربح الإقراض"؟
يشير الربح من خلال التجارة (البيع) إلى كسب المال عبر وسيلة تمويل مشروعة، وهذا النوع من المعاملات حلال من منظور الشريعة الإسلامية، إذ يتضمن تحمل المخاطر، وفي حالة وقوع خسارة، يتحمل كل طرف نصيبه منها وفقًا لحصته في الاستثمار.
أما الربح من خلال الإقراض، فيشير إلى إيداع الأموال في أدوات مالية ذات دخل ثابت (فائدة محددة مسبقًا)، وهذا النوع من الأرباح حرام شرعًا، لأن المشارك يحصل على ربح محدد مسبقًا بغض النظر عن تحقيق المشروع للربح أو تكبده للخسارة، مما يوقعه في الربا.
ما الفرق بين الربح والعائد؟
بصفة عامة، يشير مصطلح الربح إلى تجاوز الإيرادات تكاليف أو نفقات مشروع تجاري، بينما يُعرف في المالية الإسلامية بأنه الدخل المتغير والفعلي الناتج عن أنشطة تجارية مشروعة. ويُستخدم عادةً في عقود الشراكة مثل المضاربة والمشاركة.
أما العائد؛ فهو مصطلح أوسع يشمل الربح والخسارة معًا، فبعد الاستثمار، إذ إن أي استثمار قد يحقق ربحًا أو يتكبد خسارة، ويُشار في الحالتين إلى النتيجة بأنها "عائد الاستثمار".
وفي التمويل التقليدي، يشير مصطلح العائد إلى دخل ثابت من الاستثمار، وهو أمر غير جائز في الشريعة الإسلامية.
اقرأ المزيد عن: أساسيات نماذج تقاسم الأرباح والخسائر المتوافقة مع الشريعة الإسلامية
ما هي الفائدة المضمونة؟
تشير الفائدة المضمونة إلى العائد الربوي على أصل المال بغض النظر عن نتيجة النشاط التجاري، إذ يحصل المقرض أو المودع على هذا العائد بشكل مضمون، سواء حقق المشروع ربحًا أو خسارة. وتُحدد هذه الفائدة مسبقًا بنسبة ثابتة تُمنح على القرض المُقدم.
وهذا محرم بشكل قاطع في الإسلام، لأنه يقوم على الربا الذي يُعد استغلالًا لحقوق الآخرين ويؤدي إلى بيئة اقتصادية غير عادلة داخل المجتمع.
حكم الشريعة الإسلامية في تقاسم الأرباح والفائدة المضمونة
كما ذكرنا سابقًا، فإن المعاملات القائمة على آلية تقاسم الأرباح جائزة في الإسلام، وهناك العديد من الأدلة الشرعية الدالة على ذلك مستمدة من القرآن الكريم والشريعة الإسلامية وإجماع الفقهاء، ومن أبرزها ما يلي:
- من القرآن: قول الله سبحانه وتعالى: "... وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ.." (سورة ص، الآية ٢٤].
- السنة: ورد أن السائب بن أبي السائب المخزومي كان شريكًا للنبي صلى الله عليه وسلم في التجارة في بداية الإسلام.
- ويوم فتح مكة، التقى به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: "مرحبًا بأخي وشريكي، كان لا يداري ولا يماري"، (أي لا يمزح ولا يجادل بدون فائدة في التجارة)، رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي.
- إجماع الفقهاء: تُعد الشراكة من أهم المعاملات منذ ظهور الإسلام، ما يُثبت الإجماع الفعلي بين الفقهاء وجوازها.
الحكم الشرعي في تحريم الربا (الفائدة)
القرآن الكريم: " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾"، (سورة البقرة، الآية رقم 275).
- كما قال الله تعالي: "فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ"، (سورة البقرة، الآية رقم 278).
- السنة: روى جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، لعن رسول الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء.
- إجماع الفقهاء: كما ورد في دليل المصارف الإسلامية: لم يختلف المسلمون في تحريم الربا تحريمًا قطعيًا".
ماذا يعني "الغنم بالغرم" ولماذا هو أساسًا للربح الحلال؟
يعني أنه لا يمكن تحقيق أي ربح دون تحمل المخاطرة، ويُعتبر هذا المبدأ ركيزة أساسية للربح الحلال، لأن العديد من معاملات البيع والشراكة تعتمد على هذا الأساس.
اقرأ المزيد عن: هل العمولة حلال و جائزة في الإسلام؟
إخلاء المسؤولية
هذا المنشور لأغراض توعوية فقط ولا يُعد نصيحة استثمارية أو دعوة لاتخاذ أي إجراء مالي. لا يجوز الاعتماد عليه في اتخاذ قرارات استثمارية أو تمويلية.