الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي في السعودية 2030: ما الذي يجب أن يعرفه المستثمرون؟
قد يكون مستقبل الاقتصاد السعودي القائم على النفط مرتبطًا بسلعة أقل مادية ووضوحًا بكثير وهي الذكاء الاصطناعي؛ فقد خطت المملكة في السنوات الأخيرة خطوات كبيرة نحو ترسيخ مكانتها كقوة عالمية في هذه التقنية الحديثة، وذلك في إطار رؤية 2030 الأوسع نطاقًا لتنويع الاقتصاد.
وبالفعل، بدأت الشركات والحكومات حول العالم تلاحظ هذا التحول؛ ففي عام 2024، احتلت السعودية المرتبة الأولى عالميًا في فئة استراتيجية الحكومات على مؤشر الذكاء الاصطناعي العالمي "تورتويز ميديا".
وخلال الأشهر الماضية، أطلقت المملكة حملة استثمارية كبرى استقطبت من خلالها أبرز اللاعبين العالميين في مجال الذكاء الاصطناعي.
فيما يلي كل ما تحتاج إلى معرفته كيفية استعداد المملكة العربية السعودية لتكون لاعبًا رئيسيًا في عالم الذكاء الاصطناعي.
ما هي الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي في السعودية؟
كان عام 2020 شاهدًا على إعلان السعودية استراتيجية طموحة تهدف من خلالها إلى أن تصبح في مصاف الدول الرائدة عالميًا في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030.
وتتمحور هذه الخطة حول الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي وهي خارطة طريق طويلة المدى تحدد معايير أساسية لتحويل المملكة إلى مركز عالمي لتطوير الذكاء الاصطناعي
وتشمل الاستراتيجية 6 محاور رئيسية:
١-الطموح: يتمثل الهدف الاستراتيجي في أن تحتل السعودية موقعًا بين أفضل 15 دولة في العالم في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول 2030.
٢-الكفاءات: إعداد كفاءات وطنية متخصصة من خلال تدريب أكثر من 20 ألف متخصص وخبير في البيانات والذكاء الاصطناعي.
٣- الاستثمار: جذب استثمارات بقيمة 75 مليار ريال سعودي (20 مليار دولار) بحلول 2030، تشمل الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتمويل المحلي لمبادرات البيانات والذكاء الاصطناعي.
٤- السياسات والأنظمة: السعي للانضمام إلى قائمة أفضل 10 دول في مجال البيانات المفتوحة من خلال بناء البيئة التشريعية والتنظيمية المحفزة للشركات والمواهب.
٥- البحث والابتكار: الوصول إلى المراكز الـ20 الأولى عالميًا في المساهمات العلمية بمجال الذكاء الاصطناعي، عبر إنشاء بيئة بحثية متطورة ضمن المدن الذكية.
٦- المنظومة: بناء نظام متكامل يحفز ريادة الأعمال ويضم 300 شركة ناشئة في قطاع البيانات والذكاء الاصطناعي.
ما هي الشراكات العالمية للسعودية في مجال استثمارات الذكاء الاصطناعي؟
تُعد الشراكات مع الدول وشركات التكنولوجيا ركيزة أساسية في خطط السعودية للذكاء الاصطناعي، وفي هذا الإطار، أعلنت المملكة في مايو الماضي إطلاق شركة "هيوماين" إحدى الشركات المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، والتي تهدف إلى تطوير وإدارة حلول وتقنيات الذكاء الاصطناعي والاستثمار في القطاع على طول سلسلة القيمة.
وقد تضمنت العديد من الشراكات الأخيرة للمملكة توقيع صفقات بين شركة "هيوماين" وكبرى شركات التكنولوجيا العالمية. وفيما يلي أبرز الاتفاقيات التي تم إبرامها حتى الآن:
١- الشراكات مع الولايات المتحدة
شهدت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية في مايو الماضي، إعلان الدولتين توقيع عدة صفقات مهمة في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي،
كان أبرزها منح السعودية حق الوصول إلى الشرائح المتطورة من شركتي إنفيديا وإيه إم دي، كما شملت الشراكات استثمارات كبرى بين الشركات الأميركية والسعودية، من أبرزها:
- توقيع شركة داتا فولت السعودية، المتخصصة في مراكز البيانات، اتفاقًا مع شركة سوبرمايكرو الأميركية بقيمة 20 مليار دولار، جلب معدات تقنية متطورة لاستخدامها في مراكز أبحاث الذكاء الاصطناعي في السعودية والولايات المتحدة.
- التزام العديد من الشركات العالمية، من بينها جوجل، وداتا فولت، وأوراكل، وسيلزفورس، وإيه إم دي، وأوبر، باستثمار نحو 80 مليار دولار، تشمل إنشاء مراكز بيانات للذكاء الاصطناعي، وبنية تحتية للحوسبة السحابية، والمعدات المتقدمة.
- تعاون جوجل كلاود وصندوق الاستثمارات العامة السعودي في بناء وتشغيل مركز عالمي للذكاء الاصطناعي في الدمام، ضمن شراكة بقيمة 10 مليارات دولار، تشمل شركة هيوماين، وتشمل الصفقة أن تتيح جوجل بنيتها السحابية ونماذجها المتطورة مثل جيميني وإيميجن وفيو.
- إطلاق شركتي إيه إم دي وهيوماين شراكة إستراتيجية بقيمة 10 مليارات دولار على مدى خمس سنوات، لتطوير بنية تحتية للذكاء الاصطناعي بطاقة تصل إلى 500 ميغاواط، وُصفت بأنها الأكثر انفتاحًا ومرونة وكفاءة من حيث التكلفة عالميًا.
ويشمل المشروع إنشاء مركز بيانات، وأنظمة طاقة مستدامة، وربطًا عالميًا عبر الألياف الضوئية، على أن تكون الطاقة التشغيلية جاهزة بحلول مطلع 2026.
- تعاون أمازون ويب سيرفيسز (خدمات الحوسبة السحابية في أمازون) مع شركة هيوماين السعودية، في تطوير "منطقة ذكاء اصطناعي" في المملكة باستثمارات تتجاوز 5 مليارات دولار، تتضمن بنية تحتية مخصصة للذكاء الاصطناعي وخوادم مزودة بأشباه موصلات متقدمة على مستوى عالمي.
٢- الشراكات مع الصين
في ظل سباق التكنولوجيا المستمر بين الولايات المتحدة والصين، سعت المملكة العربية السعودية إلى تحقيق توازن في استثماراتها الدولية عبر إبرام اتفاقيات مع كيانات صينية، ومن أبرز هذه الشراكات:
- مشاركة صندوق "بروسبريتي 7" ذراع رأس المال المُغامر التابع لـ"أرامكو السعودية"، في جولة استثمارية بقيمة 400 مليون دولار في عام 2024 لصالح شركة الذكاء الاصطناعي التوليدي الصينية شيبو إيه آي (Zhipu AI)، التي تسعى لمنافسة أوبن إيه آي (OpenAI).
- توقيع شركة "آلات"، التابعة لصندوق الاستثمارات العامة، اتفاقية مع شركة "داهوا تكنولوجي" الصينية بقيمة 200 مليار دولار لبناء مركز تصنيع عالمي للتكنولوجيا الذكية، مثل المدن الذكية والنقل.
- تعاون شركة علي بابا كلاود الصينية مع السعودية في برنامج لتمكين الذكاء الاصطناعي يهدف إلى تدريب الكفاءات السعودية المحلية، إضافةً إلى تقديم خدماتها السحابية لمشروعات كبرى مثل المدن الذكية.
- تعاون جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) مع جامعتين صينيتين على تطوير نموذج لغة ضخم يركز على اللغة العربية يُعرف باسم "AceGPT".
- استثمار صندوق نيوم للاستثمار نحو 100 مليون دولار في شركة بوني إيه آي (Pony.ai) الصينية، ضمن مشروع مشترك لتصنيع المركبات ذاتية القيادة.
- تعاون شركة الذكاء الاصطناعي الصينية "سينس تايم" تتعاون مع جهات سعودية في مجالات تدريب المواهب، والبحث والتطوير، ومبادرات المدن الذكية.
٣- الشراكات مع الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة
لا تزال شراكات المملكة العربية السعودية مع الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة محدودة نسبيًا، لكنها تركز على مبادرات تتعلق بأخلاقيات وتنظيم الذكاء الاصطناعي، في إطار سعي المملكة إلى توفير منظومة جاذبة للمستثمرين والمستخدمين على حد سواء، ومن أبرز هذه الشراكات:
- مشاركة السعودية في قمة سلامة الذكاء الاصطناعي، التي عُقدت في المملكة المتحدة عام 2023، حيث وقعت على إعلان بليتشلي الهادف إلى تعزيز حوكمة مسؤولة للذكاء الاصطناعي.توقيع شركة زين السعودية مذكرة تفاهم مع شركة أيه دبليو تي جي البريطانية في عام 2024،
لتطوير شبكات الجيل الخامس باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.زيارة وفد سعودي رفيع المستوى المملكة المتحدة في يوليو 2024 لاستكشاف فرص التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي مع شركات ومؤسسات من بينها:
- وايف، وأوتوماتا تكنولوجيز، ومراكز كاتابولت للابتكار، وون ويب.استضافة السعودية لمنظمة التعاون الرقمي، التي يقع مقرها الرئيسي في الرياض، ويشارك في مجلس إدارتها عدد من الأعضاء الأوروبيين. وفي يوليو الماضي،
أطلقت المنظمة أداة جديدة لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي لمساعدة الحكومات على ضمان توافق أنظمة الذكاء الاصطناعي مع مبادئ حقوق الإنسان.
٤- التحالفات الخليجية والإقليمية
في الوقت الذي تسعى فيه المملكة العربية السعودية إلى ترسيخ مكانتها بصفتها رائدة المنطقة في مجال الذكاء الاصطناعي، فإنها تعمل أيضًا على تعزيز التعاون مع جيرانها، سواء عبر المجالس الثنائية القائمة مثل مجلس التنسيق السعودي الإماراتي، أو من خلال منظمات متعددة الأطراف مثل منظمة التعاون الرقمي، ومن أبرز المبادرات الحديثة:
- توقيع السعودية والكويت اتفاقية في مجال الذكاء الاصطناعي في يوليو الماضي تهدف إلى تعزيز التعاون الإقليمي والابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، ودمج تقنيات الذكاء الاصطناعي مع الأجهزة المتصلة.
- إطلاق شركة إيون إيه آي فنتشر (EON AI Venture) السنغافورية مبادرة الشراكة الاستراتيجية لدول الخليج، التي تهدف إلى تحويل دول الخليج إلى مراكز للابتكار في الذكاء الاصطناعي، وتشمل المبادرة تنظيم فعاليات سنوية في دبي والرياض والدوحة والكويت، إضافة إلى إنشاء مراكز تدريب واستثمارات موجهة لرواد الأعمال.
كيف تدعم الحكومة السعودية مستثمري الذكاء الاصطناعي؟
أطلقت الحكومة السعودية مجموعة واسعة من المبادرات وفرص التمويل واللوائح الذكية التي تهدف إلى دعم المستثمرين ورواد الأعمال في مجال الذكاء الاصطناعي. ومن أبرز هذه الجهود:
- تخصيص صندوق رأس المال الجريء "واعد فنتشرز" التابع لـ"أرامكو السعودية"، 100 مليون دولار لدعم الشركات الناشئة السعودية في مجال الذكاء الاصطناعي خلال عام 2024.
- إطلاق مسرع الذكاء الاصطناعي التوليدي (GAIAI) في عام 2023، بهدف توفير تمويل مبدئي والإرشاد والتوجيه إلى جانب إتاحة الوصول إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي للشركات الناشئة.
إعلان الحكومة حزمة من التشريعات الداعمة للأعمال الموجهة نحو الذكاء الاصطناعي، تتضمن:
- الموافقات السريعة على التراخيص، وحماية حقوق الملكية الفكرية، وتقديم حوافز ضريبية، إضافة إلى خدمات إقامة مبسطة للمؤسسين والمستثمرين.
- البوابة الوطنية للبيانات المفتوحة (open.data.gov.sa)، تتيح للشركات والباحثين تنزيل واستخدام مجموعات بيانات مفتوحة من مختلف الجهات الحكومية، مما يوفر أداة مهمة لبناء تطبيقات وخدمات مبتكرة.
إخلاء المسؤولية
هذا المنشور لأغراض توعوية فقط ولا يُعد نصيحة استثمارية أو دعوة لاتخاذ أي إجراء مالي. لا يجوز الاعتماد عليه في اتخاذ قرارات استثمارية أو تمويلية.