شرح الربا: لماذا هو محرم في الإسلام؟ وكيف يختلف عن التجارة؟
الإسلام ليس مجرد دين، بل هو منهج حياة متكامل، فقد وضع الخالق عز وجل أحكامًا تنظم شتى مجالات حياة الإنسان؛ من العقيدة والعبادة، إلى المعاملات والعلاقات الإنسانية، سواء كانت مالية أو اجتماعية.
ومن بين هذه الأحكام تحريم الربا (الفائدة)، وفي هذا المقال سنتناول معنى الربا، وأحكامه في الإسلام، ثم نوضح الفروق الجوهرية بين الربا والتجارة المشروعة.
ما هو الربا؟
الربا مشتق من الفعل العربي "رَبَا"، أي: زاد أو نما أو ارتفع (الجمال، 2006)، وبموجب الشريعة الإسلامية، يُعرف الربا أو الفائدة، بأنه: أي زيادة تُشترط على المدين دفعها للدائن مع أصل القرض، كشرط من شروط الإقراض (ديساي، 2015).
وقد ورد في حديث رواه مصنف ابن أبي شيبة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "كل قرض جر نفعًا فهو من الربا" (الجزء 6، ص180، حديث رقم 21078).
أما في الجاهلية، فقد كان العرب الوثنيون يمارسون نوعًا من الربا، كما جاء في تفسير الطبري، حيث نقل عن مجاهد قوله: "كان الرجل في الجاهلية يكون له على الرجل الدين، فإذا حل الأجل، قال له: أتقضي أم تُربي؟ فإن قضاه أخذه، وإلا زاد مقدارًا من المال، وأخر عنه في الأجل" (الجزء 6، ص8).
ما هي أنواع الربا؟
ينقسم الربا في الإسلام إلى نوعين:
١-الربا الناشئ عن الدّين، ويُعرف باسم ربا النسيئة أو ربا الجاهلية.
٢-الربا الناشئ عن البيع، ويُعرف باسم ربا الفضل أو ربا البيوع. (عمران، م، ٢٠٢١).
١- الربا الناشئ عن الدين (ربا النسيئة أو ربا الجاهلية)
هذا هو نوع الربا الأكثر شيوعًا في المعاملات المالية والمصرفية التقليدية، وتمثل في الفائدة المدفوعة على مدة القرض.
على سبيل المثال، إذا اقترض شخص ١٠٠٠ دولار لمدة عام واحد بفائدة ٥%، فسيضطر في نهاية المدة إلى دفع ٥٠ دولارًا إضافية على أصل القرض.
٢- الربا الناشئ عن البيع (ربا الفضل أو البيوع)
يعود أصل هذا النوع من الربا إلى حديث عُبيد بن الصامت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإن اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد". (مسلم، كتاب المساقاة، رقم 1587).
يُبين هذا الحديث أن الربا قد يوجد أيضًا في بعض البيوع إذا كانت المعاملة غير متكافئة النسب.
على سبيل المثال، لا تصح مقايضة كيلوغرام واحد من الشعير بثلاثة كيلوغرامات من الشعير، لأن الزيادة هنا تُعتبر ربا. ويُعرف هذا بربا الفضل.
اقرأ المزيد عن : ما هو ربا السلع؟ ما هي السلع الربوية؟
لماذا يُحرّم الإسلام الربا؟
ورد تحريم الربا في القرآن الكريم والسنة النبوية في مواضع عديدة.
يقول الله تعالى في سورة الروم:
﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ﴾ (الروم- 40:39).
وكذلك في سورة النساء:
﴿ وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾. (النساء: 161).
وفي سورة آل عمران جاء النهي الصريح:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 130).
وأخيرًا جاء في سورة البقرة:
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿275﴾ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴿276﴾ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿277﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴿278﴾ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴿279﴾ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿280﴾ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿281﴾. (البقرة: 275–281).
وتوضح هذه الآيات جميعها أن تحريم الربا جاء على مراحل، لكنها في النهاية تم تحريمه قطعًا.
أدلة من الحديث الشريف
وردت عدة أحاديث عن الصحابة رضي الله عنهم تُوضح تحريم ربا الفضل وكذلك ربا النسيئة.
وعن جابر رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله، وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء". (رواه مسلم، حديث رقم 1587).
وفي صحيح البخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «لا ربا إلا في النسيئة".(رواه البخاري، حديث رقم 2178).
وكذلك الحديث الذي ذُكر سابقًا في: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإن اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد". (مسلم، كتاب المساقاة، رقم 1587).
الربا مقابل التجارة، كيف يختلف الربا عن التجارة؟
هناك الكثير من المفاهيم الخاطئة بين الناس، حيث يظن البعض أن التجارة والفائدة (الربا) متماثلان لأن كليهما يؤديان إلى نفس النتيجة وهي الربح، لكن الحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك. فقد قال الله سبحانه تعالى صراحةً: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ (البقرة: 275).
ويظهر الفرق كذلك في آلية عمل كل منهما. وكما يوضح أبو الأعلى المودودي:
"في التجارة يقوم المشتري والبائع بالمعاملة على أساس المساواة؛ فالمشتري يحصل على منفعة من السلعة التي يشتريها من البائع، بينما يحصل الأخير على ربح مقابل الجهد والوقت الذي أنفقه في توفير تلك السلعة للمشتري.
أما في المعاملات الربوية فلا يوجد أي تقاسم عادل للأرباح بين الطرفين؛ فالدائن يحصل لنفسه على مبلغ محدد مقابل القرض، بينما لا ينال المدين سوى مهلة لاستخدام المال، والوقت بحد ذاته لا يحقق ربحًا بالضرورة".
أمثلة معاصرة على الربا
في عصرنا الحالي، توجد العديد من المنتجات المالية التقليدية التي تتضمن الربا أو عناصر منه، ومن أبرز هذه المنتجات: بطاقات الائتمان، والرهن العقاري، والسندات في أسواق المال، والقروض الشخصية، وجميعها تندرج تحت نطاق الربا، وبالتالي فهي محرمة بشكل قاطع، فجميع هذه المنتجات قائمة على الإقراض مقابل الفائدة.
- بطاقات الائتمان: تتيح للعميل اقتراض أموال من البنك لدفع ثمن السلع والخدمات، مع اشتراط سداد هذه الأموال مضافًا إليها الفائدة، بالإضافة إلى أي فوائد مستحقة أخرى، إما في تاريخ الاستحقاق أو على أقساط.
- الرهن العقاري: وهو قرض يُستخدم لشراء منزل أو قطعة أرض، على أن يقوم المقترض بالسداد على أقساط زمنية تشمل المبلغ الأصلي إلى جانب الفائدة
وجميع هذه المنتجات المصرفية التقليدية محرمة في الشريعة الإسلامية لأنها تقوم على أساس الفائدة (الربا).
اقرأ المزيد عن: هل بطاقات الائتمان حرام؟
التمويل الإسلامي: البديل الخالي من الربا
إذن، ماذا يمكن للمرء أن يفعل لتجنب الربا؟ الحل الذي تقدمه الشريعة الإسلامية هو التمويل الإسلامي، فهو يقوم على أصول حقيقية، ويُعد وسيلة أخلاقية وخالية من الربا للتمويل، ويوفر حلولًا بديلة للأعمال التجارية والمصارف دون الحاجة إلى أي قروض قائمة على الفائدة.
ويرتكز جوهر التمويل الإسلامي على 4 مبادئ أساسية:
- الابتعاد عن الفائدة: حيث إن الربح يُكتسب من خلال الدخول في شراكة أو نشاط تجاري مع العميل، وليس بفرض نسبة فائدة ثابتة على القرض.
- الاستثمار في قطاعات حلال فقط: إذ يُمنع توجيه الأموال إلى أنشطة محرمة مثل الكحول أو التبغ.
- تقاسم المخاطر بين العميل والبنك: فإذا تحقق ربح يتم تقاسمه، وعلى العكس يتحمل كلا الطرفين الخسارة.
-ةارتباط المعاملات بأصول حقيقية: بما يضمن أن يكون المنتج وقيمته مرتبطين بالاقتصاد الحقيقي، بعيدًا عن المضاربة. (عمران، 2021).
اقرأ المزيد عن: الاسئلة الشائعة عن القرض الحسن في التمويل الإسلامي
منتجات التمويل الإسلامي الخالية من الربا
يقدم التمويل الإسلامي العديد من المنتجات البديلة لعملائه، لا تعتمد على الفائدة وتقاسم المخاطر، ومن أبرز هذه المنتجات:
- المرابحة: وهي البيع بهامش ربح معلوم، حيث يتقدم العميل إلى البنك لشراء أصل، ويشتريه البنك نيابة عنه ثم يبيعه للعميل مقابل هامش ربح متفق عليه مسبقًا.
- المضاربة: وهي شراكة يكون فيها طرف (رب المال) مسؤولًا عن تقديم رأس المال، بينما يتولى الطرف الآخر (المضارب) العمل والإدارة.
- الإجارة: وهي صيغة تمويل تعتمد على التأجير، حيث ينقل البنك حق الانتفاع بأصل ما إلى المستأجر مقابل أجر محدد، مع بقاء ملكية الأصل للبنك.
هذه هي منتجات التمويل البديلة المتنوعة التي تستخدمها البنوك الإسلامية لضمان أن تكون المعاملات أخلاقية وخالية من الربا.
وتعتمد على مبدأ تقاسم المخاطر والتمويل المدعوم بالأصول، وهي مرتبطة بالاقتصاد الحقيقي وليست مبنية على المضاربة.
المراجع
القرآن (٢: ٢٧٥-٢٨١)
القرآن (٤: ١٦١)، (٣٠: ٤٩)، (٣: ١٣٠)
صحيح البخاري (٢١٧٨)
صحيح مسلم، كتاب المساقاة، ١٥٨٧، ص ١٢١١
أبو الأعلى المودودي، "متفهيم القرآن"، المجلد الأول، ص ٢٠١
ديساي آي. إي. (٢٠١٥)، دليلك إلى التمويل الإسلامي.
الجمال، م. أ. (٢٠٠٦)، التمويل الإسلامي: القانون والاقتصاد والتطبيق. كامبريدج: مطبعة جامعة كامبريدج.( https://doi.org/10.1017/CBO9780511753756)
عمران، م. (٢٠٢١)، التمويل الإسلامي ١٠١: التعلم من خلال القصص. دار ليبرتي للنشر.
مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الرحمانية
تفسير الطبري، دار المعارف
إخلاء المسؤولية
هذا المنشور لأغراض توعوية فقط ولا يُعد نصيحة استثمارية أو دعوة لاتخاذ أي إجراء مالي. لا يجوز الاعتماد عليه في اتخاذ قرارات استثمارية أو تمويلية.
