هل المشتقات المالية حلال؟
أصبح عدد المعاملات في المؤسسات المالية في العصر الحالي أكبر بكثير مما كان عليه قبل عقد من الزمن، وهذه الزيادة أدت إلى تقلبات في أسعار الأصول والأسهم، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على قرارات الشركات، وخاصة فيما يتعلق بإدارة المخاطر.
وتحمل أنواع المعاملات المختلفة مخاطر متنوعة، وتتعامل الشركات مع هذه المخاطر وفقًا لاستراتيجياتها في إدارة المحافظ الاستثمارية.
على سبيل المثال، قد تكون الشركات التي تعتمد بشكل كبير على الأسهم أكثر عرضة لمخاطر تقلبات أسعار الفائدة، أما الأفراد الذين يستثمرون في أصول متوافقة مع الشريعة الإسلامية، فقد يواجهون مخاطر تتعلق بعوائد استثماراتهم.
كما أن الشركات العاملة على المستوى الدولي يجب أن تكون حريصة في مواجهة مخاطر تقلبات أسعار الصرف.
ومن أجل إدارة هذه المخاطر بفاعلية، من الضروري الحد منها أو تجنبها، وتبرز المشتقات المالية بصفتها أحد الأدوات الرئيسية لتحقيق ذلك.
ومن بين المشتقات الأكثر استخدامًا: العقود الآجلة والعقود المستقبلية والمقايضات والخيارات.
ما هي المشتقات المالية؟
المشتقات المالية هي أدوات مالية تُستخدم لإدارة المخاطر، ومنها العديد من الأنواع:
العقود الآجلة والعقود المستقبلية والخيارات والمقايضات، وتُستخدم هذه الأدوات لتوزيع المخاطر بين مختلف الأطراف.
بالإضافة إلى دورها في إدارة المخاطر، تُستخدم المشتقات أيضًا للمضاربة، حيث يعتمد المضاربون عليها لتحقيق أرباح كبيرة قصيرة الأجل، إلا أنهم معرضون أنفسهم لمخاطر كبيرة في الوقت نفسه.
بشكل عام، يمكن اعتبار المشتقات المالية أصولًا تمثل حقوقًا على أصول مالية أخرى.
المتعاملون الرئيسيون في سوق المشتقات المالية
هناك 3 عناصر رئيسة في سوق المشتقات:
۱-المتحوطون
يُصنف المستثمرون الذين يسعون إلى تقليل المخاطر الناتجة عن تقلبات الأسعار وعدم اليقين ضمن فئة التحوط.
۲- المراجحون
هم الذين يستفيدون من فروقات الأسعار بين الأسواق المختلفة من خلال عملية المراجحة، حيث يشترون الأصول بأسعار منخفضة في سوق معين وبيعها بأسعار أعلى في سوق آخر، مما يتيح لهم تحقيق ربح من الفرق بين السعرين.
۳- المضاربون
يعتمد المضاربون على التوقعات المستقبلية للأسواق، بمعني أن يتوقع المضارب انخفاض سعر الأصل مستقبلًا ويقوم ببيعه بسعره المرتفع حاليًا، وإذا كانت توقعات صحيحة، يشتري نفس الأصل لاحقًا بسعر أقل، ويستفيد من الفرق بين السعرين.
اقرأ المزيد عن: دليل المبتدئين للتحوط في الاستثمار الحلال
ما هي أنواع المشتقات المالية؟
۱- التحوط بالعقد الآجل
العقد الآجل هو اتفاق ملزم قانونًا بين طرفين، يوافق فيه أحد الطرفين على بيع أصل أو منتج في المستقبل بسعر متفق عليه بينهما.
ويقوم بائع الأصل أو المنتج بتسليمه في التاريخ المستقبلي، المعروف باسم موعد التسوية أو الاستحقاق، ويدفع المشتري السعر المتفق عليه في التاريخ نفسه.
ويستفيد المشتري إذا ارتفع سعر الأصل بحلول موعد الاستحقاق، إذ سيدفع السعر (الآجل) المتفق عليه مسبقًا، في المقابل، يستفيد البائع إذا انخفض سعر الأصل عند موعد الاستحقاق، إذ سيحصل على السعر الأعلى المتفق عليه مسبقًا.
۲- التحوط بالعقد المستقبلي
العقد المستقبلي في أساسه يشبه العقد الآجل إلى حد كبير، ولكن هناك بعض الاختلافات الرئيسية، مثل كيفية تحقيق الأرباح والخسائر.
العقود الآجلة، يتم تسويتها مرة واحدة فقط في تاريخ التسوية، بينما يتم تسوية العقود المستقبلية بشكل يومي، لذلك يُطلق عليها العقود المقيّمة حسب السوق.
الاختلاف الآخر هو أن العقد الآجل يتم تداوله خارج البورصة ويكون غير موحد، ويتم تخصيصه بين البائع والمشتري وفقًا لاحتياجاتهم الخاصة.
في المقابل، العقد المستقبلي هو عقد موحد يتم تداوله في البورصة وخاضعًا للتنظيم.
۳- التحوط باستخدام المقايضة
المقايضة هي اتفاق بين طرفين لتداول أو مبادلة تدفقات نقدية محددة في فترات زمنية معينة،
على عكس العقود الآجلة والعقود المستقبلية، يتطلب هذا النوع من العقود وجود وسيط مقايضة، وتتمثل وظيفته الرئيسة في ترتيب وإبرام صفقة المقايضة بين الأطراف.
وهناك ثلاثة أنواع رئيسية من المقايضات، مقايضة العملات ومقايضة أسعار الفائدة ومقايضة السلع.
٤- التحوط باستخدام عقود الخيارات
تتطلب أنواع التحوط الثلاثة السابقة أن يلتزم الأطراف المعنية بإتمام المعاملة، ولكن في حالة التحوط باستخدام الخيارات، يُمنح المالك الحق -ولكن بدون التزام- في شراء أو بيع أصل معين في تاريخ مستقبلي محدد وبسعر متفق عليه مسبقًا.
ومن خلال عقود الخيارات، يحصل المالك على المرونة في اتخاذ قراره بشأن إتمام المعاملة دون أن يكون ملزمًا بذلك.
هناك نوعان من الخيارات، الأول هو خيار الشراء، الذي يمنح المالك الحق في شراء الأصل الأساسي بسعر ثابت يُسمى "سعر التنفيذ" في وقت محدد في المستقبل.
والثاني هو خيار البيع الذي يتيح للمالك الحق في بيع الأصل الأساسي بسعر ثابت في وقت محدد مستقبلًا.
حكم العقود الآجلة والمستقبلية من منظور الشريعة الإسلامية
تُعتبر كل من العقود الآجلة والمستقبلية مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، لأن في هذه العقود، يُؤجل تسليم الأصل ودفع الثمن، وهو ما يُصنف على أنه بيع الكالئ بالكالئ (أي الدين بالدين) وهو محرم شرعًا.
كما ورد في الحديث الشريف، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ، حيث لا يتملك المشتري السلعة، ولا يستلم البائع الثمن.
البديل الشرعي للعقود الآجلة والمستقبلية
عقد السلم هو البديل الشرعي الأمثل والأنسب للعقود الآجلة والمستقبلية، ففي هذا العقد، يُدفع ثمن السلعة على الفور، بينما يُؤجل تسليمها إلى موعد محدد في المستقبل، وهو ما يمنع استخدام العقد لأغراض المضاربة.
وعلى عكس العقود الآجلة والمستقبلية، حيث يتم تبادل السلعة والثمن في وقت لاحق، يستلم البائع الثمن في عقد السلم فورًا، بينما يستلم المشتري البضاعة في تاريخ لاحق.
تكمن فائدة عقد السلم في أن البائع يستلم النقود فورًا، مما يتيح له استخدام المبلغ في شراء وتصنيع السلعة المطلوبة.
اقرأ المزيد عن: عقود السلم مقابل العقود المستقبلية
أحكام الشريعة المتعلقة بعقود الخيارات
الخيارات جائزة من منظور الشريعة الإسلامية بشرط أن تتماشى شروطها وأحكامها مع مبادئ وأحكام الشريعة، هناك أنواع متعددة من الخيارات، وأشهرها:
۱- خيار الإلغاء
وفقًا لمعيار آيوفي، فإن خيار الإلغاء هو الذي يمنح أحد الأطراف أو كليهما أو طرفًا ثالثًا الحق في إما الاستمرار في العقد أو إلغائه خلال فترة زمنية محددة.
ويُعتبر العقد غير ملزم وقابلًا للإلغاء خلال هذه الفترة وفقًا لأي جملة تنص على ذلك في العقد، وفيما يلي أبرز شروط وأحكام خيار الإلغاء:
- يجب أن يكون الخيار منصوصًا عليه صراحة في العقد، إلا إذا كان يستدل عليه بموجب عُرف سابق أو تم الاتفاق بين الأطراف على إضافته لاحقًا.
- يجب تحديد فترة زمنية محددة للخيار، حيث لا يُعتبر الخيار ساريًا إذا لم يتم تحديد المدة أو كانت غير واضحة.
- إذا كان العقد يتعلق بعدة بنود، يجب تحديد البنود المتعلقة بالخيار.
-يجب أن يبقى محل العقد في نفس الحالة التي كان عليها وقت البيع.
لمزيد من التفاصيل، يمكن الرجوع إلى معيار هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (آيوفي)
۲- العربون
وفقًا لمعيار آيوفي، فإن العربون هو المبلغ الذي يدفعه المشتري إلى البائع عند إبرام العقد على أساس أن للمشتري خيار إلغاء العقد خلال فترة زمنية محددة مسبقًا.
إذا قرر المشتري تأكيد العقد، يُخصم العربون من الثمن النهائي، أما إذا لم يتم يؤكد المشتري العقد أو لم يسدد باقي الثمن خلال المدة المتفق عليها، فإن للبائع الحق في الاحتفاظ بالعربون.
ووفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، يجوز أخذ العربون في العقود المعاوضة التي لا تتطلب دفع الثمن بشكل فوري من كلا الطرفين أو أحدهما، سواء كانت السلعة المباعة محددة أو مباعة بالوصف للتسليم المستقبلي (عقود الإجارة الموصوفة في الذمة)، مثل عقود البيع وعقود الاستصناع وعقود الإيجار للأصول المحددة أو الموصوفة لتسليمها في وقت لاحق.
ومع ذلك، لا يجوز أخذ العربون في عقود السلم أو عقود تبادل العملات (الصرف).
وللمزيد يمكن الاطلاع على معيار آيوفي
اقرأ المزيد عن: دليلك الأساسي للاستصناع
المراجع
-Omar,_Azmi;_Sukmana,_Raditya;_Abduh,_Muhamad-_Fun(z-lib.org).pdf
https://aaoifi.com/ss-53-arboun-earnest-money/?lang=en.
https://aaoifi.com/ss-52-options-to-reconsider/?lang=en .
إخلاء المسؤولية
هذا المنشور لأغراض تعليمية فقط، والشركة لا تقدم هذه الخدمات بشكل مباشر أو غير مباشر
